تخادم المعطلين: هل يتواطئ الحرس الثوري مع نتنياهو لافساد الصفقة النووية؟!

بقلم: حسام ردمان:
بعد انعقاد اللقاء الثاني بين ويتكوف وعراقجي في روما، ساد انطباع متفائل في الأوساط الدولية و الإقليمية بأن قطار المفاوضات الإيرانية الأمريكية قد تم تثبيته بنجاح على السكة الديبلوماسية، وأن هذا القطار بدأ بالتحرك ببطئ بعد انتقال المفاوضات من المستوى السياسي الى الفني، لكن وجهته النهائية ما زالت محل ترقب.
هذا الانطباع السياسي ترجحه أيضا جملة من الشواهد:
– مداعبة الحكومة الإيرانية لغرائز ترامب من خلال عقود استثمارية ترليونية. وتصريحات خامنئي المتفائلة.
– زيارة الأمير خالد بن سلمان إلى طهران ولقاءه المرشد الأعلى.
– تصريحات ترامب التي يبكّت فيها نتنياهو وأخبره بانه لن يدخل حربا مباشرة لأجل خدمة مصالح تل ابيب حصرا.
– انخفاض وتيرة الحشد العسكري الأمريكي بالمنطقة مقارنة مع الأسابيع الماضية.
– تراجع النبرة التبشرية لدى الصحافة الغربية والعربية بخصوص حرب في اليمن، و النفي السعودي الإماراتي لصحة الأنباء الزاعمة تخطيطهما لعملية برية.
وفي المجمل يمكن ملاحظة إجماع رسمي “عربي إيراني أمريكي” لإنجاح المسار الديبلوماسي وتجنب سنياريو الحرب. وفي المقابل فإن ثمة طرفان متضرران من خيار التسوية: الحرس الثوري الإيراني، و الحكومة الإسرائيلية.
الساحة اليمنية ستكون الأنسب للرد على هجوم بندر عباس في ظل استعصاء الرد المباشر على إسرائيل
وكما جرت العادة فقد يلجئ المتضررون إلى التخادم بهدف التعطيل؛ طرف ما عليه أن يوفر الذريعة و الطرف الآخر عليه أن يباشر التصعيد. حصل هذا مثلا في مارس ٢٠٢٤ ، حينما توافقت الخارجية الإيرانية مع الإدارة الأمريكية والقيادة السعودية على دعم مصفوفة تسويات تتضمن وقف الحرب في غزة و وقف القرصنة في البحر الأحمر و المضي في خارطة الطريق باليمن.
ولكن نتنياهو أفسد الطبخة، وقرر اغتيال قيادات الحرس الثوري في دمشق يوم ١ أبريل، و بالتالي وفر ذريعة للحرس الثوري للتصعيد المباشر. وفي المقابل اكتفت تل أبيب بالرد الرمزي على إيران وعدم تصعيد الموقف إلى مواجهة إقليمية واسعة، لكنها عوضا عن ذلك انتزعت موافقة بايدن بالتقدم إلى رفح وهو ما كان يمثل خطا أحمرا قبل الهجمات الإيرانية.
واليوم ومع تقدم التفاهمات الإيرانية الأمريكية، وسط ترحيب عربي ودولي، كان متوقعا أن يسارع المتضررين إلى التعطيل وفق مسارين محتملين:
– قيام تل أبيب باغتيال قيادي إيراني رفيع أو استهداف منشأة حيوية مهمة لدفع الحرس إلى الرد.
– قيام الحرس الثوري بتحريك أذرعة في اليمن أو لبنان للتحرش بإسرائيل مع وجود تراخي دفاعي يسمح بوقوع خسائر تبرر لنتنياهو التحرك في الإقليم أو ضد إيران.
وها نحن نرى اليوم ملامح المسار الأول مع انفجار ميناء بندر عباس. أما المسار الثاني فقد بدأت مؤشراته منذ منتصف أبريل الجاري وبطله الأساسي جماعة الحوثي.
إجماع رسمي “عربي إيراني أمريكي” لإنجاح المسار الديبلوماسي و تجنب سنياريو الحرب
فبعد أن أحجم الحوثيون عن استهداف العمق الإسرائيلي منذ نهاية مارس، عاودوا عملياتهم بنشاط بعد أن رشحت مؤشرات أولية بنجاح مفاوضات مسقط، والمفارقة أن هجمات الحوثي في هذا التوقيت أصبحت قادرة على اختراق الدفاعات الإسرائيلية.
خلال الأيام الماضية أعلن الجيش الإسرائيلي فشله في اعتراض صورايخ الحوثي، ولأن الأمريكان يتحسبون لمثل هذا السيناريو فقد تكفلت منظومة دفاع ثاد التي يشغلها الجيش الأمريكي في إسرائيل بتحيد الصواريخ الحوثية ومنع نتنياهو من اكتساب الذرائع.
وطوال الأسبوع المنصرم سعت واشنطن إلى معاقبة الحوثيين بصورة أقوى من خلال استهداف البنية التحتية الاقتصادية وتكثيف حملات تصفية القادة وذلك على أمل أن يفهوا الرسالة ويغيروا سلوكهم. وفي الوقت نفسه كانت واشنطن حريصه على التكفل بالرد القاسي لثني تل أبيب عن التحرك عسكريا في اليمن.
لكن من غير المرجح أن يساهم الرد الأمريكي الحازم في تغير سلوك الحوثي لأن الأمر لا يتعلق بحساباتهم الذاتية، بل يتعلق بحسابات الحرس الثوري الذي يرى في أي تسوية بين حكومة بزشكيان وبين إدارة ترامب تهديدا للتوازنات السياسية والاقتصادية في الداخل الإيراني بما يقوض همينته القائمة على اقتصاد العقوبات والدور الإقليمي العابر للحدود.
و على الأرجح فإن الساحة اليمنية ستكون الأنسب للرد على هجوم بندر عباس في ظل استعصاء الرد المباشر على إسرائيل.
وخلال الفترة القادمة سوف تشهد طهران، استقطابا حادا بين السياسين والعسكرين، وسوف يجد الحرس الثوري فرصة ثمينه لتصعيد الموقف بعد أن مارس عليه المرشد الإيراني ضغوطا قوية موخرا لضبط النفس، واعتبر خامنئي أن الاتفاق مع واشنطن انتصار على إسرائيل.
سعت واشنطن إلى معاقبة الحوثيين بصورة أقوى الأسبوع الماضي على أمل أن يفهوا الرسالة ويغيروا سلوكهم