مقالات الرأي

حضرمـــــوت..  إلــى أيــــــــن؟

بقلم : محمد أحمد بالفخر

كثيراً ما تحدثنا وتحدث غيرنا وما كتبه المؤرخون والمهتمون بالشأن الحضرمي عن الخصوصيات والمزايا الإيجابية التي يتميز بها المجتمع الحضرمي دون سواه على مدى قرون طويلة من الزمان،

ومن أبرزها الأمانة وحسن الخلق وطيب المعشر ومحبة السلام واحترام الأنظمة والقوانين والابتعاد

عن الفتن ومصادر الفوضى أياً كان نوعها وعدم التدخل في شئون الآخرين،

وصارت هذه المزايا ملازمة للإنسان الحضرمي سواءً كان في وطنه حضرموت أو حتى في المهاجر التي انتقل اليها،

وقد أُلصقت بالحضرمي عبارة شائعة سلبية وهي لفظة (ما سيبي) أي مالي دخل فيما يجري حواليّ ولدى الحضارم بيت شعر يعزز هذه السلبية من أبيات الحكيم الحضرمي أبو عامر الذي كانت أبياته يحفظها معظم أفراد المجتمع وعلى وجه الخصوص كبار السن وإلى عهد قريب،

يقول بو عامر:

خير القول قولة ما دريت

إن شفت شيء ما قلت شيء

وإن حد حكى لي ما حكيت

وثقافة (ما سيبي) قد تكون سرَتْ في المجتمع الحضرمي في القرون المتأخرة بعد أن تعرّضت حضرموت لغزوات استئصالية متعددة أثّرت على المجتمع الحضرمي بأكمله، وإلاّ فهي على النقيض تماماً لما كان عليه الحضارم الأوائل ذوي البأس الشديد وأهل النجدة والشجاعة والذين كانوا في مقدمة الصفوف في معظم معارك المسلمين في صدر الإسلام وكانوا هم القادة ويشهد التاريخ بجسارتهم وبالذات رجال قبيلتي كندة وحضرموت والذين عُرِفوا برفضهم للظلم والظلمة أين ما كانوا وفي كل العصور،

ولهذا كانت أعنف الثورات التي قادها عبد الرحمن بن الأشعث بن قيس الكندي ضد الحجاج بن يوسف الثقفي أحد ولاة بني أميّه بعد أن تفشى ظلمه وطغيانه الذي لم يسلم منه حتى كبار التابعين والعلماء،

وكذلك ثورة الإمام عبد الله بن يحيى الكندي الملقب بطالب الحق في بدايات القرن الثاني الهجري والذي أراد اسقاط مملكة بني أمية انتصاراً للمظلومين ومن ّأجل إقامة العدل والمساواة،

تلك المقدمة ضرورة تذكيرية ومهمة وبالذات لأحفاد (كندة الملوك) لعلّهم يستذكرون شيئاً من أمجاد أولئك الأماجد،

حضرموت كغيرها من الأقطار العربية والإسلامية اجتاحتها في القرون المتأخرة ثقافة عصور الانحطاط المشبّعة بالجهل والخرافة والصراعات القبلية،

وفي فترة قيام الدول الوطنية وتحديداً ما بعد الحرب العالمية الأولى كانت حضرموت مجزأة بين سلطنتين توسعت احداهما على حساب الأخرى ثم كُبّلت باتفاقية الحماية من الاحتلال البريطاني إلى عام 1967م

ولم تظهر في حضرموت أي ملامح للنهضة فظلّ الحضرمي يبحث عن الرزق في المهاجر المتعددة التي قد وصلها أجداده منذ قرون مضت في جنوب شرق آسيا وشرق افريقيا وبلاد الحجاز،

وحتى السلطان القعيطي اعتمد في إقامة سلطنته على أمواله ومدخراته التي اكتسبها في غربته بالديار الهندية،

ثم أصبحت حضرموت فيما بعد محافظة من محافظات جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية في العام 1967م،

ثم صارت محافظة من محافظات الجمهورية اليمنية بعد توحيد الدولتين عام 1990م،

وتعاقب على إدارة حضرموت عدد كبير من المسؤولين (المحافظين) منهم من كان من أبنائها ومنهم من جاء من خارجها،

ومنهم من أحسن الإدارة ومنهم من أساء إلى حضرموت وأهلها بسوء إدارته لأنه لا يفقه شيئاً من أبجديات العمل الإداري ناهيك أنه لا يفقه أن الأصل في الوظيفة العامة تقديم الخدمة للمواطنين بتفاني وإخلاص وليس تسلّط واستثمار واستعراض بعشرات الأطقم العسكرية ومئات الجنود حتى في حضور ولائم أعراس أصحابه،

وفي هذا وأمثاله تنطبق عليه التساؤلات الخالدة لشاعر الحرية احمد مطر:

قلت: للحاكم هل أنت الذي أنجبتنا؟

قال: لا لست أنا

قلت: هل صيّرك اللهُ إلهاً فوقنا؟

قال: حاشا ربنا

قلت: هل نحن طلبنا منك أن تحكمنا؟

قال: كلا

قلت: هل كان لنا عشرة أوطان وفيها وطن مستعمل زاد عن حاجتنا

فوهبنا لك هذا الوطنا؟

قال لم يحدث ولا أظن هذا ممكنا

قلت: هل أقرضتنا شيئا على أن تخسف الأرض بنا

إن لم نسدد ديْننا؟

قال: كلا

قلت: ما دمت، إذن، لست إلهاً أو أباً

أو حاكماً منتخبا ًأو مالكاً أو دائناً

فلماذا لم تزل، يا ابن …. تركبنا؟،

وانتهى الحلم هنا.

وصحونا على أحداث جسام تسير بحضرموت إلى مرحلة أخرى،

وسرعان ما يبرز أمامنا السؤال العريض الذي عنونت به المقال حضرموت إلى أين؟

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
arArabic