مقالات الرأي

هل افتقد اليمن حكمة شيوخه؟

بقلم : محمد أحمد بالفخر
ثمانية عشرة عاماً مضت على وفاة شيخ اليمن عبد الله بن حسين الأحمر رحمه الله ذلك الرجل الشهم الشجاع الوفي المقدام الذي كان بمثابة شوكة الميزان في التاريخ اليمني الحديث،
فقد كان حاضراً في كل قضايا اليمن منذ ثورة السادس والعشرين من سبتمبر في العام 1962م
بل من قبلها عندما اعتقل في سجون الإمام كرهينة وبعد ذلك غدر الامام بوالده وأخيه،
وكذلك كان حاضراً بكل المشكلات والقضايا السياسية التي حصلت عبر أنظمة الحكم المتعاقبة وحتى اعلان الوحدة اليمنية في العام 1990م وحتى وفاته في 29/12/2007م
فقد أوتي من الحكمة والنباهة والرأي السديد والكاريزما المهيبة التي جعلته مرجعاً للجميع
فلم يكن الشيخ عبد الله رحمة الله عليه شيخاً لقبيلته فحسب بل كان شيخاً ومرجعاً لليمن كلها،
وكذلك تميّز بحضور لدى حكام دول الجوار وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية الشقيقة حيث كانت له علاقات وطيدة ومكانة مرموقة لدى قيادتها،
وهنا أتذكر مساعيه لرأب الصدع وتقريب وجهات النظر بعد الأزمة التي حدثت بين اليمن والمملكة ودول الخليج قاطبة نتيجة الموقف السلبي للنظام اليمني في ذلك الوقت تجاه الغزو العراقي للكويت، فقد كانت زيارة الشيخ عبد الله للمملكة في العام 1992م ولقائه بقادتها أحد أسباب تخفيف حدة التوتر ثم مهدت لعودة العلاقات الى طبيعتها،
وهنا أتذكر أنني تشرفت بلقائه لأول مرة مع مجموعة من الشخصيات اليمنية في مقر اقامته بقصر المؤتمرات في جده ولقاء آخر مع جمع كبير في منزل أحد رجال الأعمال اليمنيين وتحدث فيه عن العلاقات التاريخية الوطيدة التي تجمع المملكة باليمن وأن ما حدث ما هو إلا سحابة صيف ستتبعثر في الفضاء
ثم قُدّر لي اللقاء به في أكثر من مناسبة في منزله في صنعاء وقد تحدث ذات مرة عن زيارته لحضرموت فتحدث بإعجاب وإكبار عن تاريخ حضرموت ومعالمها ورجالها بمعلومات المدرك لكثير من التفاصيل،
وفي أحد مساجد جده وفي يوم جمعة بعد أن فرغنا من الصلاة فاذا هو في الصف الذي بعدي مع مدير مكتبه فسلمت عليه فكان ذلك آخر لقاء أراه فيه رحمه الله،
ومن مواقفه في الشأن اليمني يوم توقيع وثيقة العهد والاتفاق في الأردن بعد أن بلغت الأزمة السياسية مبلغها بين الحزبين الحاكمين،
فلم يوقع الشيخ عبد الله على الوثيقة بالموافقة على بنودها كما وقّع الآخرين بل اشترط امام توقيعه عودة الرفيق علي سالم البيض نائب الرئيس إلى صنعاء وبالفعل لو كان عاد إلى صنعاء لسلمت البلاد من أتون الحرب ولحافظ على آلاف اليمنيين الذين راحوا ضحية الحرب ولحفظ للبلاد مقدراتها وامكانياتها ولحققوا كل مبتغاهم بالدهاء والسياسة من خلال تنفيذ بنود الوثيقة التي شهد عليها العالم ولكن المُدبر مُدبر،
الموقف الثاني عندما بلغ التأجيج الإعلامي مبلغه أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية في العام 2006م
وتفاجأ الجميع ومنهم جماهير حزبه بإعلانه أن مرشحه سيكون علي عبد الله صالح مرشح المؤتمر الشعبي العام وليس فيصل بن شملان مرشح حزبه وأحزاب اللقاء المشترك،
لأنه أدرك برؤية الخبير مدى تشبث الرئيس بالسلطة ومدركٌ لما سيكون عليه الوضع لو حصل التغيير فلهذا كانت عبارته الشهيرة التي أغضبت الكثير من أنصار الرئيس (جنّي تعرفه خيرٌ من إنسي ما تعرفه)
وهنا أقول لو أدرك شباب التغيير المالات التي وصلت اليها البلاد والأنفاق المظلمة التي أدخلت فيها لتخلوا عن ثورة التغيير ولتركوه يكمل فترته الرئاسية وأضافوا له فترة أخرى فوق البيعة، ليضيف عشرين مليار دولار فوق الستين مليار التي تحدثت عنها التقارير الدولية لتأمين احتياجات أحفاد الأحفاد،
وكما يقول المثل يا دار ما دخلك شر، لأن الواقع يقول بعد مضي خمسة عشر عاما على ثورة التغيير الواقع يقول إن اليمن تعيش أسوأ أيامها، فالملايين مشردين في أصقاع العالم وعشرات الالاف ممن أزهقت أرواحهم ومقدرات البلاد ينهبها الناهبون ولا تعرف غريمك من هو ومستقبل مجهول وطريق مسدود،
وما كذب من قال وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
ففعلاً فقدت اليمن حكيمها وإلاّ لما وصل الحال إلى ما وصل إليه،
وختاماً نقول في ذكرى، وفاته رحم الله الشيخ عبد الله الأحمر وحفظ الله البلاد من كيد الأعداء.

Related Articles

Leave a Reply

Back to top button
en_USEnglish