العنصرية الزيدية: تعريف قانوني، مقارنة نازية، وضرورة التجريم

بقلم: عبدالله إسماعيل
مقال يضع النظرية الزيدية تحت مجهر المعايير الحقوقية الحديثة، والتعريف الدولي للعنصرية، ويقترح خارطة طريق عملية لتجريمها.
مفتتح:
تُعرف الأمم المتحدة العنصرية بأنها: “أي تمييز أو استثناء أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو الأصل القومي أو الإثني، ويهدف إلى تعطيل أو إبطال المساواة في الاعتراف بالحقوق أو ممارستها.”
كما تنص المادة (1) من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (ICERD) على أنه يشمل كذلك التمييز القائم على النسَب صراحة، ما يجعل أي امتياز في الحقوق العامة يُبنى على النسب صورة مُباشرة من التمييز العنصري بالمعنى القانوني المعاصر.
وبمجرد تطبيق هذا التعريف الحقوقي الصارم، الذي يشمل التمييز على أساس النسب، على بنية النظرية الزيدية الهادوية،، فقهيا وعقائديا وممارسة من خلال ائمتها، تظهر هذه النظرية كنموذج مبكر لنظام عنصري ديني، يسبق حتى الأيديولوجيات العنصرية الحديثة مثل النازية أو الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
لا يدور الخلاف مع النظرية الزيدية الهادوية حول فروع فقهية أو تفاصيل شعائرية، بل حول منظومة اعتقادية تحصر الحكم وترفع طبقة عرقطائفية على سائر الناس، مستندة الى تفسيرها الخاص للدين، ومرويات مزعومة تجعل من الامامة والولاية شرطا للتعبد، ومن الانتماء الى السلالة مرجعا دينيا ودنيويا كمعيار فوق أي معيار آخر.
وهذا هو جوهر العنصرية في تعريفها المعاصر: تمييزٌ يتأسس على الأصل والنسب، يُطيح بمبدأ المساواة، ويحوّل المجتمع إلى هرم في قمته سلالة مكرسة، تتوارث السلطة والثروة، وتدعي القداسة والافضلية.
نظرية عنصرية مغلفة بالدين:
الزيدية الهادوية في جوهرها، ليست مذهبا فقهيا، بل نظرية سياسية مغلّفة بغطاء ديني، تُقرر أن الإمامة ركن من أركان الدين لا تصح العقيدة بدونها، وأنها محصورة في البطنين، ومن أنكر ذلك فقد كفر، ومن نازع الإمام من البطنين فقد حارب الله ورسوله.
هذه النصوص تجعل العرق مبرر لحق مقدّس، والنسب الرسي معيارا للولاية والشرعية، وبهذا تشيّد نظاما طبقيا مغلقا يضع السلالة في القمة وعموم اليمنيين في قاع لا يحق لهم تجاوزه او انتقاده.
مقارنة الزيدية والنازية كنماذج للتجريم:
تشترك الزيدية العنصرية مع الأنظمة الحديثة في الأساس ذاته، ويمكن ان نضع هذه المقارنة كمثال بين النازية كنظرية عنصرية تم تجريمها أوروبيا وعالميا وبين الزيدية الهادوية:
• التمييز بالعرق: في الزيدية ترتبط الافضلية بالعرق الهاشمي المزعوم، وفي العنصرية الأوروبية بالعرق الأبيض.
• الحق في السلطة والقيادة حصرا: كما احتكر النازيون القيادة للآريين، حصر الأئمة الحكم في البطنين.
• تبرير الإقصاء بادعاء القداسة والنقاء: كما تحدث هتلر عن النقاء الآري، تتحدث الزيدية عن النسب الطاهر.
• شيطنة الآخر وتجريده من الإنسانية: إذ تصفه الزيدية بأنه رعاع أو عبيد أو جهال، بل دارُه دار كفر، وهو ما مارسته النازية على المختلفين عرقيا.
الفرق أن الأنظمة العنصرية الحديثة انهارت بعد أن جُرمت فكريا وقانونيا، بينما الفكر الزيدي ما يزال يُعامل في اليمن كـتراث ديني محترم، رغم أنه أخطر شكل من أشكال العنصرية المُمَنهجة، وأكثرها تسببا في إراقة الدماء وأطولها مدة.
لماذا يجب تجريم العنصرية قبل أي تسوية سياسة:
لأن كل حروب الأئمة ووريثهم الحوثي اليوم ليست إلا نتائج طبيعية لمنظومة عنصرية ترى الشعب مجرد تابع أو جندي أو مورد لجبايات السلالة المقدسة.
ولأنه لا يمكن بناء سلام أو دولة أو مواطنة حقيقية ما لم يتم الاعتراف بأن أصل المأساة فكري، وأن أولى خطوات التحرر هي تجريم هذا الفكر كما جُرِّم الفكر النازي.
ولأن الوعي بأننا لا نحارب جماعة سياسية، بل نحارب نظاما عنصريا باسم الدين هو ما يعيد تعريف الصراع ويمنح معركة اليمنيين معناها الأخلاقي والإنساني.
الآثار المدمرة للنظرية الزيدية على الدولة والمجتمع:
عملت الزيدية على بناء منظومة سياسية تستند على مجموعة من الأركان والأصول كالإمامة والولاية ونظرية البطنين، والغرض منها هو السعي الدائم للوصول الى السلطة من خلال رؤية عنصرية استعلائية، انتجت المآسي والدمار لليمن في فترات تاريخية مختلفة، ومازالت هذه النظرية العنصرية تحاول ان تعود الى الواجهة بما تنتجه من آثار مدمرة على مستوى المجتمع والحياة السياسية، ومن تلك الاثار:
احتكار السلطة، فهي نظرية تُغلق منافذ التداول السلمي، وتصنَّف الطموح السياسي لغير السلالة خروجا على الله ورسوله يجب وأده.
التمييز القانوني، فبالزيدية تُصاغ فتاوى وأحكام تُفضّل السلالة في الموارد (الخُمس، الصدارات الوظيفية، المنابر الدينية).
تكفير المخالف وتجريمه، حيث يتحول الخلاف السياسي إلى نزاع إيمان وكفر، فتُستباح الذمم والأموال.
تجريف الهوية الوطنية، حيث تُستبدَل رابطة المواطنة بخرافة الولاية، ويُعاد تعريف التاريخ والرموز والتعليم لخدمة الامتياز السلالي.
هكذا يصبح المجتمع طبقيا، قمة سلالية محروسة بنصوص وقداسة، وقاعدة عريضة من الرعايا منزوعة الحقوق السياسية والاجتماعية والثقافية.
تجريم الزيدية العنصرية: خارطة طريق:
صراعنا ليس مع مذهب فقهي، بل مع منظومة سياسية-عقدية تُؤسِّس للتمييز العنصري على خلفية عرقطائفية، وفيما يلي أقترح خارطة طريق تحقق هدف الوصول الى بر الأمان من خلال عملية مزمنة لتجريم الزيدية العنصرية وحاملتها السلالية من خلال التالي:
أولا: إدراج التمييز السلالي بالنسب الديني ضمن أشكال التمييز العنصري المجرم في القوانين الوطنية، وربطه بالعقوبات الرادعة.
ثانيا: إزالة أي محتوى يَحصر الحق العام في نسبٍ مخصوص، وتجريم خطاب الولاية المولودة في منابر التعليم والإعلام.
ثالثا: النصّ على أن السلطة حقّ عام يقوم على الاختيار الحرّ والكفاءة، ولا شرعية لأي تمييز بالميلاد أو النسب أو الانتماء العائلي.
رابعا: تشكيل هيئة مستقلة لمكافحة التمييز السلالي، تتلقى الشكاوى، وتصدر تقاريرا سنوية، وتملك صلاحيات الإحالة للنيابة.
خامسا: توثيق الجرائم القائمة على التمييز السلالي، قديما وحديثا، وتخليد ذاكرة الضحايا، لأن النسيان يعيد إنتاج الفكرة.
سادسا: بناء خطاب شرعي حقوقي مشترك يُبطل دعوى القداسة المولودة، ويؤكد أن الكرامة تُكتسب بالإنسانية لا بالميلاد.
سابعا: منع أي محاصصة في المال العام أو الوظائف أو المنابر على أساس السلالة، وتجريم توظيف الخُمس وغيره من الأدوات الاقتصادية الزيدية بأي شكل.
ختام: شرط السلام هزيمة العنصرية:
شرط السلام الوحيد هو الهزيمة الشاملة للعنصرية. لقد أدان العالم وجرّم النازية، وأسقط الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، لأن تلك الأيديولوجيات تشكل خطرا وجوديا على السلم الأهلي والإنسانية جمعاء.
إن الفكر الإمامي الزيدي الهادوي هو المعادل التاريخي والنسبي لهذه الأنظمة، بصفته أيديولوجيا عنصرية منظّمة تعادي حقوق الإنسان والمواطنة، والدعوة إلى تجريمه ليست دعوة للانتقام من الماضي، بل هي تأمين للمستقبل وحماية للأجيال القادمة من إعادة إنتاج الكارثة.
لن تقوم دولة مدنية، ولن يتحقق تعايش حقيقي، ولن ينهض اليمن ما لم يُجرم قانونيا ووطنيا ودينيا أي فكر يرفع النسب فوق الكفاءة، أو يعطي السلالة حقا إلهيا في الحكم والثروة دون اليمنيين.
هذه هي المعركة الوجودية والأخلاقية الكبرى التي يجب أن تسبق كل خطوة سياسية أو عسكرية، وهي خارطة طريق العبور الحقيقي من التاريخ إلى الدولة.



