رواية صادمة من شاب ناجي من محرقة العرقوب أبين.. باص صقر الحجاز بلا فرامل وإجراءات الأمن والسلامة (صفر)

عدن – حضرموت نيوز
في شهادةٍ مؤلمة كُشف عنها بعد فاجعة طريق العرقوب بمحافظة أبين، روى أحد الناجين من الحادث المأساوي تفاصيل الساعات الأخيرة قبل تحوّل الرحلة إلى محرقة بشرية، أودت بحياة ما لا يقل عن ٤٠ شخصًا بينهم أسر بأكملها، بعدما اصطدم باص النقل الجماعي التابع لشركة صقر الحجاز بسيارة من نوع “فوكسي” ثم اشتعلت فيهما النيران بالكامل.
الشاب محسن مهدي الجنيدي، الذي نجا بأعجوبة بعدما نزل مع أسرته في مديرية مودية قبيل وقوع الحادث، أدلى بشهادته للناشط ثابت بن لقور، كاشفًا عن مؤشرات الخطر التي سبقت الكارثة بساعات طويلة، وعن الإهمال الفني الذي تسبب في واحدة من أبشع المآسي على الطرق المحلية.
رائحة حريق سبقت الكارثة
قال الجنيدي إن الرحلة انطلقت من محطة النقل الجماعي في حي العزيزية بالعاصمة السعودية الرياض، وإن الركاب لاحظوا منذ البداية انبعاث رائحة حريق خفيفة أشبه برائحة احتكاك الحديد أو الفرامل المحترقة. وعندما تساءل بعضهم عنها، جاء الرد من الطاقم:
“هذه رائحة البواش أو القماش الخاص بالفرامل، وسنبدلها عند الوصول إلى العبر.”
لكن، بحسب الناجي، لم يتم تنفيذ ما وعد به السائق. وأضاف: “كانت إحدى الراكبات متضايقة جدًا من الرائحة ونزلت في وجهتها في شرورة، ولم نكن ندرك أن الأمر إنذار مبكر للكارثة.”
تجاهل إصلاح الفرامل وتبديل السائق
أوضح الجنيدي أنه عند الوصول إلى منطقة العبر تم استبدال السائق، وأن السائق الجديد كان “متذمرًا من وضع الفرامل”، مع اتفاق على تغييرها في مدينة عتق، إلا أن ذلك لم يحدث.
وأشار إلى أن الحافلة واجهت مواقف خطيرة في طريق النقبة، كادت تؤدي إلى حادث سابق، قبل أن “يسلم الله” على حد قوله.
ورغم ذلك، أثنى الناجي على سلوك السائقين قائلاً: “تعاملهم كان في منتهى الأخلاق والاحترام، والله يرحمهم.
كيف تحوّل باص النقل إلى كتلة لهب قاتلة؟
يشير خبراء السلامة المرورية إلى أن احتراق الحافلات بعد الحوادث في اليمن يعود إلى خليط قاتل من العوامل الفنية وسوء التجهيز وضعف إجراءات السلامة، وهي الأسباب نفسها التي حولت حادث العرقوب إلى محرقة مأساوية.
خزان الوقود وموقعه الخطير
في معظم الحافلات القديمة، أو المعدلة، يُثبت خزان الوقود أسفل الجسم أو قرب المحرك الخلفي، ومع قوة الاصطدام يتمزق الخزان ويتسرب الوقود سريعًا، ليلامس حرارة المحرك أو شرارة كهربائية، فتشتعل النيران خلال ثوانٍ
الشرارة الكهربائية بعد التصادم
الاصطدام العنيف يؤدي إلى قطع الأسلاك الكهربائية أو تلف البطارية، مما يولّد شرارة كافية لإشعال بخار الوقود المتسرب، خصوصًا عند وجود تيار هواء داخل الباص.
المواد القابلة للاشتعال
تحتوي مقاعد الباص وستائر النوافذ والعوازل على مكونات بلاستيكية وسفنجية سريعة الاشتعال، تُصدر عند احتراقها غازات سامة مثل أول أكسيد الكربون والسيانيد، ما يؤدي إلى اختناق الركاب خلال دقائق.
إغلاق الأبواب وتعطل مخارج الطوارئ
في باص “صقر الحجاز”، كما أكدت فرق الإنقاذ، أُغلق الباب الرئيسي بفعل النيران، ولم يتمكن الركاب من فتحه بسبب تعطل النظام الكهربائي، وهو ما يفسر أن عدد النجاة خمسة أشخاص فقط قفزوا من النوافذ، بعد تحطيمها بجهد ذاتي.
غياب معايير السلامة
لا تتوفر في معظم حافلات النقل المحلية طفايات حريق فعالة ولا مخارج طوارئ قابلة للفتح يدويًا، أو مطارق تحطيم الزجاج، كما لا يخضع السائقون لتدريب على خطط الإخلاء السريع، ما يجعل السيطرة على النيران شبه مستحيلة بعد اندلاعها.
مأساة تتكرر وضرورة للتحرك
يرى مختصون أن هذه الفاجعة ليست حادثًا عرضيًا بل جرس إنذار لنظام نقل متهالك يحتاج إلى إصلاح جذري، يبدأ بإخضاع شركات النقل لفحوص فنية إلزامية، وإلزامها بتجديد مركباتها، وتطبيق إجراءات أمان صارمة في الخطوط الجبلية مثل العرقوب، والعبر بحضرموت، بعد إعادة صيانتها وترميمها.
وختامًا، يتفق شهود الحادث وذوو الضحايا على أن ما جرى ليس قضاءً وقدرًا فحسب، بل نتيجة إهمال يمكن منعه لو وُجدت رقابة فنية حقيقية على الحافلات، ومعايير سلامة تُنقذ الأرواح قبل أن تلتهمها النيران.



