أوقفوا العسكرة.. حضرموت بحاجة إلى تنمية لا بنادق!

بقلم: أحمد النهدي
في خضم هذا المشهد المعقد الذي تعيشه بلادنا، وتحديداً محافظة حضرموت، يبرز سؤال جوهري يفرض نفسه بقوة: ما هي أولوياتنا الحقيقية؟ فبينما تتوالى الأزمات وتتفاقم التحديات، نجد أنفسنا أمام ظاهرة مقلقة تتمثل في ظهور تشكيلات عسكرية قبلية وتجنيد خارج الأطر القانونية، وهو ما يتبع – للأسف – لحلف قبائل حضرموت. إن هذا المسار، الذي يبدو وكأنه يهدف إلى تعزيز الأمن، لا يفعل في حقيقة الأمر سوى فتح أبواب الانقسام على مصراعيها، وتهديد السلم الاجتماعي الهش، ومضاعفة الأعباء الأمنية التي تثقل كاهل المحافظة.
حضرموت، بتاريخها العريق ومكانتها الاستراتيجية، تستحق منا ما هو أبعد من هذه الممارسات. إنها بحاجة ماسة إلى تماسك الصفوف، وتعزيز وحدة الكلمة، والابتعاد عن أي مظهر من مظاهر العسكرة غير المنضبطة التي لا تخدم الاستقرار ولا تدفع عجلة التنمية إلى الأمام، بل على العكس تماماً، قد تخدم مصالح شخصية ضيقة على حساب المصلحة العامة للمحافظة وأبنائها.
دعونا نكون صريحين وواضحين: التحديات الحقيقية التي تواجه المجتمع الحضرمي اليوم ليست في إنشاء جبهات أو ألوية عسكرية جديدة. إنها تكمن في كيفية تأمين الحياة اليومية للمواطن البسيط. إنها في توفير الوقود والطاقة التي أصبحت حلماً بعيد المنال، وفي ضمان استمرار الخدمات الأساسية التي تتردى يوماً بعد يوم. إنها في التحول من دائرة الإغاثة المستمرة إلى مسار التعافي الاقتصادي الحقيقي، وفي توجيه الأنظار إلى حضرموت كواحة أمن واستقرار، كبيئة جاذبة للاستثمار الداخلي والخارجي، لا كساحة لتصفية الحسابات أو فرض النفوذ.
ولعل من المفارقات المؤلمة أن المحافظة تعاني في الوقت ذاته من تضخم كبير في القوى العاملة ببعض القطاعات، كالتعليم، مما أثقل كاهل الموارد المحلية. هذه الموارد التي باتت شحيحة أصلاً، خاصة بعد حصار حلف قبائل حضرموت على المحروقات التي كانت تشكل رافداً مهماً لمشاريع السلطة المحلية التنموية. فكيف يمكننا أن نقبل بإضافة أعباء تجنيد قبلي جديد على موازنة المحافظة مستقبلاً، ونحن في غنى تام عنه؟ أليس من الأجدى والأولى أن نوجه أي مبالغ مركزية إضافية نحو جوانب تنموية حقيقية تصب في صالح المحافظة وأبنائها؟
من هنا، تبرز الأهمية القصوى للتعاون الجاد والمخلص بين كل شرائح ومكونات المجتمع الحضرمي مع السلطة المحلية. هذا التعاون يجب أن يرتكز على تأمين المتطلبات الأساسية التي ذكرناها، والتي تشكل أحد أهم الروافد الاقتصادية لضمان تحقيق التنمية المستدامة وتخفيف معاناة الناس من الأوضاع المتكررة. إن رهان حضرموت يجب أن يكون على التنمية والبناء، على تعزيز الشراكة الحقيقية بين المجتمع والسلطات، وعلى استثمار موارد المحافظة الغنية فيما يحقق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي المنشود.
إن رص الصفوف ووضع الأولويات في مسارها الصحيح هو الضمان الوحيد لتجاوز الأزمات. حضرموت، متى ما توحدت كلمتها وتضافرت جهود أبنائها، قادرة على مواجهة التحديات، وصناعة نموذج مختلف يلبي تطلعات أبنائها في الأمن والعيش الكريم، بعيداً عن صراعات لا طائل منها سوى المزيد من النكبات لا قدر الله.