مقالات الرأي

لعبة الصرافين.. استنزاف ممنهج ومدخرات في مهب الفوضى

✍️ د/ إبراهيم باوزير
. في زمنٍ تتوالى فيه الأزمات الاقتصادية على المواطن اليمني، وتتآكل فيه قدرته الشرائية يومًا بعد يوم، برزت مجددًا ما يمكن وصفه بـ “لعبة الصرافين”؛ لعبة لا تقل خطورة عن الحروب، لأنها تستنزف لقمة العيش مباشرة، وتدفع الناس نحو هاوية اليأس.

انهيار وهمي.. ثم ارتداد صادم

قبل أيام، شهد سوق الصرف في المناطق المحررة هبوطًا مفاجئًا في قيمة الريال اليمني أمام الريال السعودي ليصل إلى 240 ريالًا، بعد أن كان مستقراً عند حدود 425 ريالًا عقب إجراءات البنك المركزي. للوهلة الأولى، بدا الأمر مؤشر انفراج، لكنه سرعان ما انقلب إلى كابوس. فقد كان الانخفاض مجرد فخ مدروس من قِبل بعض الصرافين لإغراء الناس ببيع مدخراتهم من العملات الأجنبية، قبل أن يعود السعر سريعًا إلى مستواه المعلن.

النتيجة: آلاف المواطنين خسروا مدخراتهم بين ليلة وضحاها، فيما خرج الصرافون هم الرابح الأكبر من هذه اللعبة القذرة.

الغضب الشعبي ينفجر

اليوم، لم يعد المواطن مجرد متفرج. العاصمة عدن وعدد من المناطق المحررة شهدت حالة شغب واحتجاجات غاضبة، حيث أقدم مواطنون على إغلاق عدد من محلات الصرافة بالقوة، في مشهد يعكس حجم السخط الشعبي من التلاعب المستمر بسوق العملة. هذه الخطوة، وإن كانت عفوية، إلا أنها تحمل رسالة قوية: الناس لم تعد تحتمل المزيد من العبث..

من يعوض الخسائر؟

القانون واضح: المضاربة غير المشروعة جريمة يعاقب عليها القانون، والمادة (311) من قانون الجرائم والعقوبات تُجرّم مثل هذه الممارسات. لكن أين التطبيق؟ أين البنك المركزي من استعادة أموال البسطاء التي نُهبت بحيلة سوقية مكشوفة؟

البنك المركزي.. صمت يكلّف المواطن كثيرًا
رغم إعلان البنك مصادرة العمليات التي تمت بالسعر الوهمي لصالحه ولصالح اللجنة الاقتصادية، إلا أن القرار جاء متأخرًا جدًا. كان بإمكانه التدخل العاجل منذ الساعات الأولى وقطع الطريق على الفوضى، لكن تباطؤه جعل الخسارة تقع على المواطن، بينما الصرافون هم المستفيدون.

إصلاحات عاجلة لا تحتمل التأجيل
حتى لا يتكرر هذا السيناريو المدمر، لا بد من:

1. إنشاء صندوق تعويض وطني بإشراف البنك المركزي لتعويض المواطنين من الأموال المصادرة.
2. ربط شبكات الصرافة إلكترونيًا بالبنك المركزي مع شاشات عرض للأسعار الرسمية داخل المحلات.
3. تشديد العقوبات وصولًا إلى سحب التراخيص وإغلاق المحلات ورفع قضايا جنائية بحق المخالفين.
4. محاكم مالية متخصصة للفصل السريع في قضايا المضاربة واسترداد الحقوق.
5. تفعيل نظام إنذار مبكر عبر بيانات عاجلة من البنك عند أي اضطرابات في سوق الصرف.
خاتمة
ما جرى خلال الأيام الماضية ليس مجرد لعبة عابرة، بل عملية نهب منظم لمدخرات اليمنيين، تُضاف إلى سلسلة الأزمات التي أنهكت المواطن. واليوم، ومع انفجار الغضب في الشارع وإغلاق محلات الصرافة من قبل المواطنين، لم يعد الصمت خيارًا. الكرة الآن في ملعب السلطات: إما تدخل جاد يوقف نزيف العملة ويحمي المواطن، أو مواجهة فوضى شعبية لن تُحمد عقباها.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button
en_USEnglish