مقالات الرأي

مُدمّر اليمن ومُضيّع اليمنيين4

بقلم: محمد أحمد بالفخر

وما زلنا في المحور السياسي لشجرة القات وتأثيرها السلبي على صناعة القرار لأننا نعرف أنّ ما يقارب من 90% من أصحاب المناصب العليا في الدولة هم ممن يتعاطون القات بشكلٍ شبه يومي،

وأصبح القات يشكل حجر الزاوية في كل الاجتماعات الرسمية وغير الرسمية، وهذا ما سمعته ذات يوم من أحد وزراء التسعينيات حيث قال: عادةً ما يجتمع مجلس الوزراء كل يوم أربعاء فيبدأ الوزراء في التوافد صباحاً فيجلس كل وزير في أقرب كرسي حسب موعد وصوله، وأهم شيء لا يجلس على الكراسي المخصصة لنواب رئيس الوزراء ولا الكرسيين التي عادة ما يجلس عليها وزيري الدفاع والداخلية والغالب أنهما يكونان قريباً من كرسي رئيس المجلس،

وتبدأ الجلسة الرسمية الشكلية في مبنى المجلس في القاعة المخصصة للاجتماعات حسب العادة في الساعة العاشرة، وطبيعي أن يفتتح رئيس الوزراء الاجتماع بكلمة مطوّلة وهنا لدي طُرفة هي الأخرى قديمة لكنها حقيقية منقولة عن وزير أبيني ممن قد رحلوا عن دنيانا قال إنه اقترح على رئيس الجمهورية وفي إحدى مجالس القات الخاصة به أن يكون انعقاد مجلس الوزراء يومين متتاليين فقال له الرئيس لماذا؟

فقال الوزير اليوم الأول يخصص لكلمة رئيس الوزراء ولا يقاطعه أحد لأنه إذا تكلم ما عاد يسكت واليوم الثاني يخصص لكل الوزراء كلٌ يدلي بدلوه فيما عنده فضحك الرئيس وضحك الحاضرون جميعاً بمن فيهم رئيس الوزراء،

وطبعاً في الجلسة الصباحية يتم التصوير الإعلامي الروتيني وكل وزير يقوم بتقليب الأوراق أو التقارير التي بين يديه ليظهر المشهد جميلاً أمام المتابعين،

وعند اقتراب انتصاف النهار ترفع الجلسة على أن تُستأنف بعد الغداء،

وبعدها يتفرق الجمع ويذهبون لتناول طعام الغداء،

ثمّ يعودون وكل وزير يحمل الى جانب ملف أوراق التقارير الرسمية علاقية القات الخاص به،

ولكن استئناف الجلسة الثانية تكون في ديوان رئيس المجلس وغالباً في بيته، وفيها يتم تناول القات واستكمال برنامج الجلسة التي تم رفعها قبل الظهر وفي هذه الجلسة المختلطة بأوراق القات الخضراء والدخان المتناثر من أفواه حمران العيون تكون المداولات الفعلية لاجتماع المجلس وخلالها يتم اتخاذ القرارات المصيرية والتوجيهات وعقد الصفقات وقرارات التعيينات وكافة أمور الدولة صغيرها وكبيرها،

ثم يصدر البيان الختامي للاجتماع الأسبوعي قبيل نشرة الأخبار التلفزيونية الرسمية،

وقس على ذلك اجتماعات لجان مجلس النواب وغيرها من اللجان الحكومية والمدنية والتي غالباً ما تكون في الفترات المسائية هي الأخرى وبالتالي أغصان القات مصاحبةً لكل اجتماعات تلك اللجان، وبدونه تختل الموازين وتتعكر الأمزجة ولا يُرسم مستقبل الوطن،

ولرئيس الجمهورية مجلس خاص للقات يومياً يحضره المقربون ومن يريد مقابلتهم من غيرهم وسعيد الحظ من ينال شرف حضور مجلس الرئيس،

وهنا أتذكر ما سمعته ذات يوم من رجل أعمال من أصول حضرمية دُعي إلى لقاء فخامته في فترة العصر وأخذوه الى مجلس القات الخاص بالرئيس وكان هناك جمع كبير فأجلسوه في الجهة المقابلة للرئيس فقال له يا فلان ليش ما تخزّن قال أنا لا أخزّن لكن إذا أعطيتني من حقك فهذا شرفٌ كبير قال له أنت عينك طويلة قال لا يا فخامة الرئيس بس لأنني متأكد أن القات الخاص بك ليس فيه أي نوع من الكيماويات والسموم الضارّة مثل التي توجد في 90% من أشجار القات الأخرى،

هنا انفرجت أسارير الرئيس وتبسّم ضاحكاً وأعطى له من قاته المخصوص،

وأيضاً معظم اللقاءات الحزبية هي الأخرى يكون القات فيها حاضراً بدون أدنى شك، ولا فرق في ذلك بين هذا الحزب أو ذاك، أكان حزب حاكم أو أحزاب معارضة،

وحضور مجالس القات لكبار شخصيات الدولة هي احدى وسائل التقرب الى المسؤولين لتكون من ذوي الحظوة أولاً والوصول فيما بعد للغايات المرجوة وتحقيق الأهداف الشخصية،

ومازلت أتذكر نصيحة أسداها إليّ قيادي حزبي كبير في ذلك الوقت أمّا الآن فقد طواه النسيان كان ذلك في العام 1996م فقال لي إذا أردت الوصول والمكانة المرموقة فعليك بحضور مجالس القات باستمرار وتتعاطى خلالها القات مثل غيرك،

فقلت له بئس الوصول وبئس الهدف والوسيلة،

هذه بعض الملامح عن تأثير القات على المسار السياسي ودوره في الاختلالات الحاصلة،

وبإذن الله نلتقي.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button
en_USEnglish