أزمة القرار داخل مجلس القيادة الرئاسي: تضع شرعية التوافق على المحك

خاص – حضرموت نيوز
يشهد المشهد السياسي اليمني تصعيدًا خطيرًا يعيد طرح أسئلة جوهرية حول طبيعة الشرعية وآليات اتخاذ القرار في المرحلة الانتقالية، في ظل اتهامات متصاعدة لرئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي بتجاوز مبدأ التوافق الجماعي الذي تأسس عليه المجلس، والانفراد بإنتاج قرارات سيادية تمس مستقبل الجنوب وقضيته الوطنية.
ويؤكد مراقبون أن غياب القرار الجماعي داخل مجلس القيادة الرئاسي يمثل انتهاكًا صريحًا للشرعية التوافقية التي تحكم المرحلة الانتقالية، إذ أُنشئ المجلس بموجب إعلان نقل السلطة كهيئة قيادية جماعية، تتخذ قراراتها بالتوافق بين مكونات الجنوب والشمال، وليس عبر فرض إرادة طرف واحد أو كتلة بعينها.
قناة غير دستورية لإنتاج قرار سيادي
وفي هذا السياق، أثار استخدام رئيس مجلس القيادة لمجلس الدفاع الوطني كقناة لإنتاج قرار سيادي دون توافق جماعي، جدلًا واسعًا، حيث اعتُبر هذا المسار التفافيًا على الإطار القانوني والسياسي الحاكم للمجلس، ومصدرًا لإضعاف شرعية القرار، وخلق فجوة قانونية وسياسية قد تنعكس سلبًا على وحدة الموقف داخل السلطة الشرعية نفسها.
كما وُصفت خطوة طلب التدخل العسكري الخارجي بأنها إساءة استعمال لصلاحيات الرئاسة، وانحراف خطير بمبدأ التدخل القائم على الدعوة التوافقية، خاصة حين تصدر الدعوة من أحد أطراف مجلس القيادة ضد أطراف أخرى شريكة في الشرعية.
انقلاب على فلسفة تشكيل مجلس القيادة
ويشير متابعون إلى أن مجلس القيادة الرئاسي لم يُنشأ ليكون أداة بيد رئيسه أو أغلبية شمالية مدعومة بعضو جنوبي واحد، لاتخاذ قرارات مصيرية نيابة عن بقية الأعضاء، لا سيما عندما تستهدف تلك القرارات بقية ممثلي الجنوب داخل المجلس، وتمتد آثارها إلى استهداف شعب الجنوب وقضيته ومشروعه الوطني برمّته.
تحويل بوصلة الصراع
ويرى محللون أن طلب العليمي لتدخل التحالف عسكريًا، والذي رُوّج له تحت عناوين حماية المدنيين والحفاظ على المركز القانوني للدولة، لا يمكن فصله عن سياق سياسي أوسع تسعى فيه بعض القوى إلى تحويل بوصلة الصراع من معركته الأساسية ضد المشروع الحوثي–الإيراني، إلى صراع داخلي يستهدف الجنوب وقواه الفاعلة، التي لعبت دورًا حاسمًا في منع سقوطه بيد الحوثيين منذ عام 2015.
وتتعارض هذه الذرائع، بحسب مراقبين، مع الإرادة الشعبية والرسمية لأبناء الجنوب في حضرموت والمهرة وبقية المحافظات الجنوبية، الذين عبّروا بوضوح عن دعمهم للقوات المسلحة الجنوبية، ودعوا إلى تمكينها من حماية مناطقهم وتأمين كامل التراب الوطني الجنوبي.
مخاوف من توريط التحالف
ويحذر سياسيون من أن استدعاء التحالف العربي إلى مواجهة شريك ميداني رئيسي في الحرب ضد الحوثيين، يُعد محاولة لتوريطه في معركة تتناقض جذريًا مع الأسس التي قام عليها تدخله في إطار عملية «عاصفة الحزم»، القائمة على دعم الشرعية ومواجهة الانقلاب الحوثي، لا الانخراط في صراعات داخلية بين مكونات المعسكر الواحد.
استدعاء ذاكرة الصراع المؤلم
كما أثار قرار العليمي موجة رفض واسعة في الجنوب، وُصف فيها بأنه بمثابة “فتوى سياسية” لشن حرب شمالية جديدة، تعيد إلى الأذهان مشاهد قاتمة من تاريخ الغزو الشمالي للجنوب، حين استُخدمت الفتاوى الدينية وأدوات التحريض والتعبئة الأيديولوجية لتبرير الحروب في أعوام 1994، و2015، و2020.
ثقة في موقف التحالف
ورغم خطورة المشهد، يؤكد جنوبيون ثقتهم الكاملة بأن الأشقاء في التحالف العربي لن ينساقوا خلف محاولات الزج بهم في صراع داخلي، أو الاصطفاف مع طرف ضد آخر داخل مجلس القيادة، حفاظًا على مصداقية التحالف وحياديته ودوره كعامل توازن ووسيط بين الأطراف.
الأمن المحلي ركيزة للأمن الإقليمي
وفي المقابل، يؤكد المجلس الانتقالي الجنوبي أن الإجراءات التي اتخذتها القوات المسلحة الجنوبية في حضرموت والمهرة تأتي في إطار تعزيز الاستقرار، ومكافحة الإرهاب والتطرف والتهريب العابر للحدود، ولا تشكل أي تهديد إقليمي أو عائق أمام مسار السلام، بل تُعد أحد شروطه الأساسية في ظل الترابط الوثيق بين الاستقرار المحلي والأمن الإقليمي.
ويحذر مراقبون من أن أي محاولة لاستهداف الجنوب أو تفكيكه وضرب مشروعه الوطني، من شأنها خلق فراغات وثغرات أمنية خطيرة، قد تستغلها الجماعات الإرهابية لتهديد الاستقرار الإقليمي، والأمن والسلم الدوليين.



