هل تجاوزت أطراف النزاع نص اتفاق الرياض؟
بقلم: د. أحمد بن إسحاق
مع تصاعد التوتر السياسي والعسكري في محافظتي حضرموت والمهرة، وتبادل الاتهامات بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي حول المسؤولية عمّا يجري، يبرز في الواجهة اتفاق الرياض بوصفه المرجعية التي يستند إليها كل طرف لتبرير مواقفه وتحركاته. والمؤسف ان الحديث عن الاحتكام إلى الاتفاق ياتي عبر التصريحات أو الساحات أو المنابر الإعلامية، وليس عبر قراءة قانونية دقيقة لنصوصه وملحقاته، ومقارنة ما يجري على الأرض بما تم الالتزام به تعاقديًا. حتى أصبحنا أمام حالة تعيد للذاكرة الحقبة العفاشية و الانقلاب على وثيقة العهد والاتفاق عام 1994م قبل ان يجف حبرها.
هذا المقال لا يهدف إلى إدانة طرف أو تبرئة آخر، بل يسعى إلى طرح سؤال رئيسي هو:
هل ما يجري اليوم في حضرموت والمهرة ينسجم مع اتفاق الرياض، أم يكشف عن مخالفات في التطبيق؟
أولًا: الاتفاق عقد ملزم وليس شعار سياسي:
اتفاق الرياض، الموقع برعاية إقليمية وبدعم دولي، ليس بيان نوايا ولا إطارًا مرنًا للتفسير السياسي، بل عقد سياسي–أمني ملزم تحكمه قاعدة قانونية مستقرة هي “العقد شريعة المتعاقدين”.
وعليه، فإن أي ادعاء بالالتزام أو اتهام بالتجاوز لا يُقاس بحسن النية أو الخطاب، بل يُقاس بـ: (النصوص، آليات التنفيذ، الجهات المخوّلة، ومسارات المساءلة القضائية.)
ثانيًا: الملحق السياسي – حدود الشراكة وحدود السلطة:
ينص الملحق السياسي على: (تفعيل مؤسسات الدولة، الشراكة في الحكومة، إدارة المحافظات عبر السلطات الشرعية، ومنع إنشاء سلطات موازية أو فرض أمر واقع).
التقييم:
حضرموت والمهرة محافظتان قائمتان ضمن هيكل الجمهورية اليمنية ، وتخضعان لسلطات محلية وإدارية قائمة. وعليه، فإن أي تحرك سياسي أو إداري: لا يستند إلى قرار حكومي، أو لا يمر عبر المؤسسات الرسمية، يُعد خروجًا عن الملحق السياسي، حتى وإن رُفع غطاء “الشراكة” أو “التوافق”.
فالاتفاق لا يمنح أي طرف حق التوسع السياسي خارج مؤسسات الدولة، بل يُلزم الجميع بالعمل من داخلها.
ثالثًا: الملحق العسكري – متى تكون القوة مشروعة؟:
ينص الملحق العسكري بوضوح على: توحيد القوات تحت وزارة الدفاع، منع أي انتشار عسكري خارج هذا الإطار، إعادة التموضع والدمج بإشراف لجان رسمية.
التقييم:
أي تحرك عسكري أو إعادة انتشار في حضرموت أو المهرة: لا يكتسب مشروعيته من الانتماء السياسي،
بل من الهيكل التنظيمي القيادي العسكري الرسمي.
فالقوة لا تكون شرعية لأنها “تابعة لطرف موقّع”، بل لأنها: تتحرك بأوامر وزارة الدفاع، وتخضع للمساءلة العسكرية، وتعمل ضمن خطة معتمدة.
وأي وجود عسكري خارج هذا الإطار يُعد مخالفة صريحة للملحق العسكري، بغضّ النظر عن المبررات.
رابعًا: الملحق الأمني – تحييد الأمن لا توظيفه:
يهدف الملحق الأمني إلى: حصر العمل الأمني بوزارة الداخلية، منع التشكيلات الأمنية الموازية، إدارة الأمن بوصفه وظيفة مهنية لا سياسية.
التقييم:
أي إجراء أمني في حضرموت أو المهرة، مثل: تغيير القيادات، نشر قوات، أو السيطرة على مؤسسات، إذا لم يصدر بقرار رسمي من وزارة الداخلية، فإنه يُعد خرقًا للملحق الأمني، حتى لو قُدِّم بوصفه إجراءً وقائيًا أو استباقيًا.
لقد وُضع الاتفاق لتحييد الأمن عن الصراع، لا لتحويله إلى أداة فيه.
خامسًا: الإعلام والاتهامات – مخالفة مشتركة:
ينص الاتفاق على: وقف الحملات الإعلامية، عدم تبادل الاتهامات العلنية، حل الخلافات عبر القنوات الرسمية.
إلا أن الواقع يشهد: تصعيدًا إعلاميًا، اتهامات متبادلة، وتوظيف المحافظات كورقة ضغط سياسي.
وهو ما يمثل إخلالًا واضحًا بالاتفاق من جميع الأطراف، ويُفرغه من مضمونه القانوني.
سادسًا: أين تُفصل النزاعات؟:
لم يُنشأ اتفاق الرياض ليُدار عبر: الساحات، القنوات الفضائية، أو البيانات المتبادلة،
بل ليُحتكم فيه إلى: اللجان المشتركة، مؤسسات الدولة، القضاء المدني والعسكري، والرعاة الإقليميين للاتفاق.
وأي ادعاء بوجود تجاوز حقيقي يجب أن يُقدَّم: بوثائق، وبمسارات قانونية واضحة، لا عبر الاتهام الإعلامي.
وفي الاخير يمكن القول إن تحديد مستوى الالتزام باتفاق الرياض اليوم لا يكون بالسؤال:
من يردد اسم هذا الاتفاق، بل بالسؤال الأهم: من يلتزم بنصه؟
حضرموت والمهرة ليست ساحة لتصفية الحسابات، ولا مجالًا للتفسير الانتقائي للعقود. ومن يدّعي الالتزام بالاتفاق، عليه أن يقبل بأن يكون: النص هو الحكم، والقضاء هو الفيصل، لا الإعلام ولا فرض الأمر الواقع. فالاتفاقات الموقعة لا تُدار بالخطاب، بل تُحترم أو تُخالف… ويُحاسَب على ذلك قانونيًا.


