أهم الاخبارتقارير وتحقيقات

معركة الجنوب ضد الإرهاب… كيف صنع أبناؤه معجزة الأمن وطهّروا أرضهم بإرادتهم (2015 – 2025)

حضرموت نيوز – خاص

على مدى عقدٍ كامل، خاض الجنوب واحدة من أعقد وأشرس المعارك في تاريخه الحديث، معركة لم تكن عسكرية فقط، بل معركة وجود وهوية وأمن إقليمي، واجه فيها التنظيمات الإرهابية بإرادة محلية وبقدرات ميدانية متراكمة. هذه الحرب لم تحمِ المدن الجنوبية فحسب، بل قطعت أحد أخطر مسارات تهديد الأمن في المنطقة، وأغلقت مساحات كان الإرهاب يسعى لتحويلها إلى منصات انطلاق نحو الداخل والخارج.
البداية من عدن ولحج (2015 – 2016)
مع تحرير العاصمة عدن وانطلاق مرحلة تثبيت الأمن، نفّذت قوات الحزام الأمني والأجهزة الأمنية الجنوبية عمليات نوعية استهدفت خلايا تنظيم القاعدة، أسفرت عن تفكيك شبكات إرهابية خطيرة وتأمين عدن ولحج، ووضع حدٍّ للفوضى التي حاول الإرهاب فرضها في مرحلة ما بعد الحرب. كانت هذه المرحلة تأسيسًا لنهج واضح: أمن الجنوب يُحمى بأبنائه، وبأجهزة تعرف تضاريس الأرض وطبيعة الخطر.
تحرير المكلا… نقطة التحول (2016)
في واحدة من أبرز المحطات، شاركت قوات النخبة الحضرمية في عملية تحرير مدينة المكلا، وتمكنت من طرد تنظيم القاعدة الذي كان يتمركز داخل مدينة كبرى ويستفيد من الموارد والفراغ الأمني. أعادت العملية الأمن والاستقرار إلى ساحل حضرموت، ووجّهت رسالة قوية بأن التنظيم الذي كان يُعد من أخطر التنظيمات على مستوى العالم يمكن كسره حين تُواجهه قوة منظمة تمتلك الإرادة والمعرفة الميدانية.
شبوة وحضرموت… معارك الحسم (2017 – 2018)
واصلت القوات الجنوبية تقدمها، حيث نفذت قوات النخبة الشبوانية عمليات دقيقة ضد معاقل القاعدة في شبوة، أنهت وجود التنظيم في مساحات واسعة وقطعت خطوط تنقله.
وفي حضرموت، شكّلت عملية وادي المسيني عام 2018 ضربة قاصمة للتنظيمات الإرهابية، بعد تطهير الوادي من أبرز المعاقل، وتجفيف بيئات الإيواء والإسناد التي كانت تمنح العناصر المتطرفة القدرة على إعادة التموضع.
سهام الشرق… مطاردة الإرهاب في أبين (2022)
مع عملية سهام الشرق دخلت المعركة مرحلة أكثر تعقيدًا، حيث لاحقت القوات الجنوبية أوكار القاعدة في المناطق الوعرة، وتمكنت من تأمين مساحات واسعة وتقليص قدرة التنظيم على الحركة والتموين والاختباء. الأهمية هنا لم تكن في “التحرير” فقط، بل في إضعاف البنية التشغيلية للتنظيم: تفكيك خلاياه، تعطيل شبكاته، تقليص حريته في التنقل، وإغلاق طرق الإمداد التي كان يستند إليها.
عملية الحسم… نهاية التهديد (2025)
في عام 2025 جاءت عملية الحسم لتكون تتويجًا لمسارٍ طويل، واستكمالًا لسهام الشرق، حيث جرى تطهير ما تبقى من الجبال والشعاب، وإنهاء التهديدات الإرهابية وأدوات الحوثي، وإغلاق آخر منافذ الفوضى. هذه المرحلة عززت معادلة الردع: لا مساحة آمنة للإرهاب في الجنوب، ولا فرصة لإعادة إنتاجه تحت أي غطاء.
لماذا هذه الحرب مهمة للجنوب وللإقليم والعالم؟
أولًا: حماية الجنوب واستعادة الدولة وهيبة الأمن
نجحت القوات الجنوبية في نقل المشهد من “مدن مفتوحة” إلى “مدن محمية”، وهو التحول الذي مكّن الناس من استعادة حياتهم الطبيعية، وحمى المرافق الحيوية والممرات الداخلية، وقلّص تأثير الخلايا النائمة.
ثانيًا: تجفيف أخطر بؤرة تهديد إقليمي
وجود تنظيم القاعدة في مدن ومناطق ساحلية وطرق تهريب كان يعني تهديدًا مباشرًا لجوار الجنوب ولحركة الملاحة والمصالح الاقتصادية. ضرب قدرات التنظيم جنوبًا أسهم في تقليص الخطر العابر للحدود، ومنع تحوّل الجنوب إلى نقطة تصدير للفوضى.
ثالثًا: إضعاف تنظيم كان يُعد من أخطر التنظيمات عالميًا
القوات الجنوبية لم تكتفِ بالمواجهات المباشرة، بل عملت على تفكيك الشبكات والخلايا وتقليص حرية الحركة والتموضع، وهو ما أفقد التنظيم القدرة على السيطرة والتمدد كما كان يفعل سابقًا، وحوّله من “قوة تهدد المدن” إلى “فلول مطاردة” في نطاقات أضيق.
رابعًا: تعزيز السلم والأمن العالمي

كل مساحة تُنتزع من الإرهاب تعني تقليل مخاطر التخطيط والتجنيد والتمويل وتهريب السلاح، وتقليل فرص الهجمات التي تتجاوز الجغرافيا المحلية. من هذا المنطلق، فإن ما حققه الجنوب يُعد مساهمة فعلية في منظومة مكافحة الإرهاب عالميًا، لأنه أوقف نمو بؤرة كانت قابلة للتحول إلى تهديد واسع.
لماذا يتطلب الأمر دعم القوات الجنوبية وانتشارها في كل المحافظات؟
لأن التجربة أثبتت أن الفراغ الأمني هو البيئة المثلى لعودة الإرهاب، وأن تثبيت الاستقرار لا يتحقق بعمليات موسمية، بل بانتشار مؤسسي شامل يُغلق الثغرات، ويحمي المدن والطرق والمنافذ، ويمنع إعادة تشكيل الخلايا في الأطراف. دعم هذه القوات—تدريبًا وتأهيلًا وتجهيزًا وتنسيقًا—ليس مطلبًا سياسيًا، بل ضرورة أمنية لضمان استدامة المكاسب ومنع ارتداد التهديد من جديد.
خلاصة
ما تحقق في الجنوب لم يكن حدثًا عابرًا، بل مسارًا متصلًا من التضحيات والعمليات الميدانية الدقيقة التي صنعت واقعًا جديدًا: جنوبٌ أكثر أمنًا، وإقليمٌ أقل خطرًا، وعالمٌ أقرب إلى الاستقرار عندما تُحاصر بؤر الإرهاب في منابتها.

Related Articles

Leave a Reply

Back to top button
en_USEnglish