مقالات الرأي

قراءة في خلفيات البيان المنسوب إلى قبائل المهرة وحضرموت

بقلم: د. أحمد بن إسحاق

صدر مؤخرا بيان مشترك وصف بأنه صادر من عدد من قبائل محافظتي حضرموت والمهرة حمل عنوان “ميثاق عهد وشرف وطني” تضمن ستة بنود رئيسية، ركّزت على دعم جهود الحكومة اليمنية الشرعية والتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، وتجريم التهريب والإرهاب، ودعم انتشار قوات “درع الوطن” في المحافظتين تحت شعار تعزيز الأمن والاستقرار.

وقد جاء البيان في وقت تتصاعد فيه المواقف والجدل حول الوجود العسكري السعودي في الشرق اليمني، وتحديدًا في المهرة وحضرموت، حيث يرى البعض أن هذا البيان يمثل ردًا غير مباشر على الأصوات القبلية والسياسية التي تنتقد وجود قوات “درع الوطن”، وفي مقدمتها صوت الشيخ علي سالم الحريزي، الذي يعتبر أن هذه القوات تمثل “قوة احتلال” لا مبرر لوجودها بعيدًا عن جبهات القتال مع الحوثيين.

بين أهداف معلنة وتفسيرات مضمرة:

يثير البيان – من حيث توقيته ومضمونه – سلسلة من التساؤلات المشروعة حول خلفياته وأهدافه الحقيقية.

هل جاء استجابة لحاجة أمنية فعلية لمكافحة التهريب والجريمة، أم أنه يمثل محاولة لتبرير الوجود العسكري السعودي المتزايد في الشرق اليمني؟

وهل تسعى الرياض إلى بناء منظومة أمنية محلية بديلة عن المؤسسات الرسمية الضعيفة، أم إلى ترسيخ نفوذ استراتيجي طويل الأمد في المحافظات الغنية بالموارد والمطلة على الممرات البحرية الحيوية؟

وفي المقابل، يواصل الشيخ الحريزي نفي اتهامات التهريب الموجهة إليه، مطالبًا السعودية والامارات بتوجيه قواتها نحو الجبهات مع الحوثيين بدلاً من التوسع شرقًا نحو المهرة وسقطرى.

وتبدو القوات المتمركزة في المهرة متحفظة على مواجهة مباشرة معه، بينما تحدث رئيس لجنة الاعتصام بالمهرة حول تقارير عن أوامر صدرت من حضرموت للقبض عليه، وهو ما يطرح تساؤلات إضافية حول الجهة الفعلية التي تصدر القرارات داخل تلك المناطق.

المشهد الحضرمي وتقاطعات النفوذ:

في حضرموت، تتعدد القوى والمكونات السياسية والعسكرية، وتتشابك مصالحها بين رعاية سعودية مباشرة وتأثير إماراتي واضح عبر المجلس الانتقالي.

وبينما يحاول حلف قبائل حضرموت، المدعوم سعوديًا، تقديم نفسه كقوة لحماية المحافظة، يتحدث مقربون منه – مثل بن هلابي والدكتور خالد باوزير – عن أفكار مثيرة للجدل تتصل بـ“رغبة الحضارم في الارتباط بالسعودية”، وهو طرح يكشف عن تحولات في الخطاب السياسي القبلي باتجاهٍ يتجاوز حدود التنسيق الأمني إلى أبعاد استراتيجية أعمق.

وفي المقابل، يثير الغموض المحيط بمصير الدعم المالي الذي قُدّم للحلف تحت غطاء “شراء محطة كهرباء”، والذي انتهى بتجنيد ثلاثة ألوية عسكرية جديدة، تساؤلات حول طبيعة العلاقة بين الدعم التنموي والمشاريع العسكرية، وعن مدى استقلالية القرار المحلي في حضرموت عن التوجيهات الخارجية.

ضبابية الموقف الرسمي والانقسام الداخلي:

يلتزم مجلس القيادة الرئاسي صمتًا لافتًا حيال ما يجري شرق البلاد، كما لم يصدر تعليق واضح من رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي أو من وزير الداخلية بعد زيارته الأخيرة لحضرموت.

هذا الصمت يعكس – على ما يبدو – حالة الانقسام داخل المجلس بين تيارات موالية للسعودية وأخرى للإمارات، وهو انقسام يلقي بظلاله على وحدة القرار السيادي للدولة، ويعطّل قدرتها على ضبط المشهد الأمني والعسكري في المحافظات المحررة.

تعدد المشاريع وتبعاتها على التنمية والمجتمع:

إن تعدد القوى والمشاريع والمليشيات خارج منظومة الدولة أدى إلى تشظي القرار وازدواجية الولاءات، مما انعكس سلبًا على مسار التنمية والاستقرار.

فبدل أن تُوجَّه الطاقات نحو بناء المؤسسات وتوفير الخدمات، تُستنزف الموارد في صراعات النفوذ، وتتعمق الفجوة الاجتماعية بين المكونات المحلية، ويتراجع الأمل في عودة الدولة كمرجعية موحدة.

هذا التداخل في الأجندات والمشاريع يجعل من الصعب التنبؤ بمستقبل حضرموت والمهرة، في ظل غياب رؤية وطنية جامعة تضع مصلحة المواطن فوق المصالح الإقليمية أو القبلية.

ويبقى السؤال المفتوح:

هل يمهّد هذا البيان لتثبيت نفوذ إقليمي طويل الأمد في الشرق اليمني؟

أم أنه مجرد خطوة تكتيكية في إطار صراع النفوذ القائم بين الرياض وأبوظبي؟

وأين يقف المواطن الحضرمي والمهري من كل هذه الترتيبات التي تُصاغ دون مشاركة حقيقية له في القرار، في ظل توقيف عمل لجان مجالسه المحلية والبرلمانية الممثلة دستورياً لصوته؟

وأخيرا يمكن القول أن التجربة خلال السنوات الأخيرة تظهر أن استمرار الانقسام داخل مجلس القيادة الرئاسي وتعدد المكونات المسلحة خارج إطار الدولة لم يحقق لا أمنًا ولا استقرارًا، بل أدى إلى استنزاف التحالف العربي وإضعاف مؤسسات الشرعية وفشلها في بناء نموذج للدولة في المحافظات المحررة.

هذا الفشل انعكس بصورة كارثية على اقتصاد أكثر من 40 مليون مواطن يمني يعيشون اليوم ظروفًا إنسانية ومعيشية قاسية، بينما تتآكل ثقة الشارع في قدرة الدولة والتحالف معًا على انتشال البلاد من أزماتها.

ومن هنا، فإن إنقاذ الجميع من هذا المأزق لا يمكن أن يتحقق إلا عبر قرارات صريحة وجادة تعيد للدولة مركزية سياساتها ووحدة قراراتها، بدءًا بـتمكين رئيس الحكومة الدكتور سالم بن بريك من كامل الصلاحيات للعمل بشكل مستقل بعيدًا عن التجاذبات والانقسامات، ووضع الخطوط العريضة لسياسات اقتصادية وإدارية واضحة، تتضمن برامج لإعادة الهيكلة والتوحيد المالي والإداري والعسكري.

ذلك وحده كفيل بإعادة توجيه الولاءات نحو الوطن، وتوحيد الإيرادات، وتناغم القرارات، بما يضمن تحسين ظروف حياة اليمنيين، وتحقيق أمن إقليمي متوازن، ويُسهم في الاستقرار الإنساني والعدالة التي يحتاجها اليمن والمنطقة والعالم بأسره.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button
en_USEnglish