زيارة رئيس الوزراء إلى الأردن: قراءة تحليلية في الدوافع والاحتمالات

قراءة: د. أحمد بن اسحاق
أثارت زيارة رئيس الوزراء اليمني، سالم بن بريك، إلى العاصمة الأردنية عمّان، والتي وُصفت رسميًا بأنها زيارة خاصة، تساؤلات واسعة في الشارع اليمني ودوائر المتابعة السياسية والاقتصادية. فالزيارة تأتي في ظرف دقيق، بعد مرور أشهر قليلة على توليه منصبه وإطلاقه خطة إنقاذ عاجلة انعكست بتحسن ملحوظ في سعر صرف الريال اليمني بنسبة قاربت ٥٠٪، وهو ما منح حكومته جرعة ثقة شعبية غير مسبوقة.
ومع غياب التوضيحات الرسمية الكاملة حول طبيعة الزيارة وأجندتها، تعددت التكهنات والتحليلات، لتفتح الباب أمام عدة احتمالات تتقاطع مع الواقع المحلي والتحركات الإقليمية والدولية الجارية حاليًا بشأن الملف اليمني.
أولًا: استعادة الأموال اليمنية المودعة في الخارج:
من بين التفسيرات المتداولة أن الزيارة قد تتصل بمحاولة الحكومة استعادة الأموال اليمنية المجمّدة أو المودعة في الخارج، سواء كانت تخص مؤسسات وبنوكًا وطنية أو حسابات حكومية أو حتى أموالًا تعود لنافذين وشخصيات كانت تتحكم في مفاصل اقتصادية حساسة خلال السنوات الماضية. ويأتي هذا الاحتمال في ضوء الحملة الصارمة التي قادها بن بريك مؤخرًا ضد شركات الصرافة المخالفة، في رسالة واضحة بأن حكومته ماضية في إعادة ضبط المالية العامة واستعادة الثقة المفقودة بين الدولة والمجتمع.
ثانيًا: التسوية الاقتصادية – السياسية:
احتمال آخر يربط الزيارة بسياق المباحثات الأممية الجارية في الأردن وسلطنة عمان بين الأطراف اليمنية، والتي تضمنت – بحسب التسريبات – مقترحات لمعالجة الملف الاقتصادي كمدخل لأي تسوية سياسية شاملة. وتأتي هنا الإشارة إلى مبادرة منظمة السلام والصداقة الدولية التي طرحها الدكتور أحمد بن إسحاق قبل أشهر، والمتضمنة ضمن محاورها رؤية لإعادة توحيد البنك المركزي اليمني تحت إدارة محايدة خارج البلاد، واستئناف تصدير النفط والغاز، وتوريد العائدات إلى حساب خاضع لإشراف أممي، وتخصيصها أولًا لصرف رواتب موظفي الدولة وفق كشوفات العام ٢٠١٤م. وإذا صحت هذه المؤشرات، فإن زيارة بن بريك قد تشكّل جزءًا من ترتيبات أكبر لإعادة هيكلة الملف الاقتصادي ضمن صفقة سياسية مقبلة.
ثالثًا: الضغوط الداخلية وتحصين الموقف:
لا يمكن فصل الزيارة كذلك عن المشهد الداخلي في عدن. فالإجراءات الجريئة التي اتخذها بن بريك مؤخرًا، وعلى رأسها توقيف وسحب تصاريح عشرات شركات الصرافة المتورطة في المضاربة بالعملة ، إلى جانب إغلاق حسابات مؤسسات حكومية إيرادية سيادية كانت تُدار في بنوك تجارية وشركات صرافة خارج رقابة البنك المركزي وتحويلها مباشرة إلى البنك المركزي.
هذه الخطوات، وإن لاقت ارتياحًا شعبيًا واسعًا، إلا أنها بطبيعتها أزعجت شبكات مصالح نافذة اعتادت التحكم في موارد سيادية بعيدًا عن الرقابة الرسمية. ومن هنا، يرى مراقبون أن زيارة بن بريك إلى الأردن قد تمثل خطوة لتأمين غطاء إقليمي ودولي يحصّن حكومته من الضغوط الداخلية التي تواجهها نتيجة ضربه لمصالح متشابكة ومعقدة.
رابعًا: تعزيز ملف الاستثمار والانفتاح الاقتصادي:
إلى جانب الملف المالي، يربط آخرون الزيارة بتوجهات بن بريك نحو إعادة تفعيل الاستثمار المحلي والأجنبي. فقد برز مؤخرًا تحرك هيئة الأراضي التابعة لمجلس الوزراء، التي أمهلت المستثمرين المتعثرين شهرًا واحدًا لإثبات جديتهم قبل سحب الأراضي وتحويلها لمستثمرين جادين. كما تعمل الحكومة على إعداد سياسات وحوافز جديدة تهدف إلى تهيئة بيئة استثمارية جاذبة، مع الإعلان عن مؤتمر استثماري نهاية العام الجاري.
من هذا المنطلق، يُرجّح أن يكون الأردن – بما يمتلكه من خبرات متقدمة وكوادر مؤهلة في المجالين الاقتصادي والتسويقي – محطة مهمة لعقد لقاءات تبادل خبرات والتعاقد مع خبراء لدعم خطة الحكومة، خصوصًا في مجالات كإنشاء النوافذ الواحدة في المحافظات لتقليل التعقيدات البيروقراطية أمام المستثمرين وتوفير دراسات جدوى جاهزة في قطاعات واعدة كالنقل، الطاقة، الزراعة والاسماك والصناعة.
الترجيحات الأقرب: الاقتصاد مدخل السياسة:
بالنظر إلى مجموع هذه السيناريوهات، يمكن القول إن زيارة بن بريك إلى الأردن تحمل في طياتها رسائل متعددة، أبرزها أن الملف الاقتصادي بات في صدارة الأولويات، سواء على مستوى استعادة الأموال، أو المضي نحو تسوية شاملة، أو التحضير لإطلاق نهضة استثمارية جديدة.
فالاقتصاد، كما يبدو، هو المدخل الأبرز الذي تراهن عليه الأطراف المحلية والإقليمية والدولية لإنعاش مسار التسوية السياسية، بعد أن أثبتت السنوات الماضية أن استمرار الانهيار الاقتصادي يعني بالضرورة انسداد الأفق أمام أي حلول سياسية.
وفي الاخير يمكن القول إن السنوات الماضية قد أظهرت أن جوهر الأزمة اليمنية لا يقتصر على البعد السياسي فحسب، بل يتجذر أساسًا في الخلافات على توزيع الموارد ، التي قادت إلى تهديدات عسكرية أوقفت تصدير النفط والغاز – المورد الذي كان يشكّل ما يقارب ٨٠٪ من الموازنة العامة للدولة. هذا التوقف ترافق مع تضخم العملة وانهيار قيمتها الشرائية، مما انعكس مباشرة على ضعف القدرة الشرائية لموظفي الدولة ، و تهالك مؤسساتها ، وانتشار الفساد المالي والإداري ، في وقت تردّت فيه الخدمات الأساسية وتدهورت بيئة الاستثمار وتفاقم الوضع المعيشي للمواطنين.
من هنا، يتضح أن التسويات الاقتصادية يجب أن تسبق التسويات السياسية، وأن الإنقاذ الاقتصادي الشامل يشكّل الأرضية الحقيقية لأي مسار مستدام نحو الاستقرار.
وفي النهاية، يمكن القول إنه مهما تكن التفاصيل الدقيقة للزيارة، فإنها تؤشر إلى مرحلة جديدة من الانفتاح على المحيط الإقليمي والدولي، وتحركات أوسع لمعالجة جذور الأزمة الاقتصادية. فاليمن اليوم يقف أمام مفترق طرق: إما أن تتحول هذه الخطوات إلى قاعدة لانطلاقة جادة نحو الاستقرار السياسي والاقتصادي، أو أن تبقى مجرد محاولات متفرقة لالتقاط الأنفاس بعد معركة الإصلاحات الداخلية. والأيام القادمة وحدها كفيلة بكشف المسار الذي ستسلكه هذه التحركات.