مُدمّر اليمن ومُضيّع اليمنيين 6

بقلم: محمد أحمد بلفخر
مازلت مواصلاً حديثي عن مصيبة اليمن الكبرى شجرة الزقّوم التي سلبت عقول الكثير من اليمنيين وضاعت مدّخراتهم بسببها وسيطرت على تفكير معظم الساسة إن لم يكن كلهم حتى أصبح النشاط السياسي مقترنا بالقات على كل المستويات، وقبل أن استعرض بعض المواقف التي تعرض لها أحد رجال الأعمال سأروي لكم ما حدث لي ذات يوم في صنعاء وتحديدا في العام 1995م حيث كنت مدعواً مع مجموعة شخصيات سياسة واجتماعية لتناول طعام الغداء في قصر احدى الشخصيات السياسية الكبيرة،
وصلنا على الموعد وتم استقبالنا ودخلنا المجلس الفخم الكبير وبدأ المدعوون بالوصول واحداً تلو الآخر،
ثم قيل لنا تفضلوا الى صالة الطعام الكبرى فكانت المائدة عامرة بجميع ما لذّ وطاب من أصناف المأكولات كرمٌ حاتمي كبير لا يقارن وغير مستغرب من تلك الشخصية المميزة،
وبعد أن فرغنا من تناول طعام الغداء عدنا الى المجلس الذي كنا فيه، وما هي إلاّ دقائق معدودة وإذا بأربعة رجال يدخلون وكأنهم يحملون بين أيديهم شجرة كبيرة وإذا هي أغصان قاتٍ فاخر درجة أولى ووضعوه في وسط المجلس وأخذوا يوزعونه على الحاضرين،
وكان بجواري على اليسار ضابط كبير يحمل رتبة عميد وعلى يميني أحد أعضاء مجلس النواب، ووصل الدور عند العميد فأعطاه نصيبه وعاد وأحضر نفس الكمية أراد أن يعطيني إياها فاعتذرت وقلت له شكراً ففي لمح البصر خطفها العميد الذي قد أعطاه قال أيّن شكراً هات حقه ووضعها بيني وبينه وقال عيب ترفضها وتقول شكراً ثم وضعها ضمن الكمية المخصصة له فصار له نصيبين فقلت له في نفسي محل ما يسري يمري على قول المصريين،
وبعد ذلك تم توزيع أوعية معدنية أمام كل واحد فقلت ما هذه قيل هذه متافل،
وما هي إلاّ لحظات وإذا بالقوم مشغولون بقطف الأوراق من الأغصان ووضعها في أفوههم وبدأت عملية المضغ وبدأ الجو يتغير بعد انتشار دخان السجائر الذي يصاحب مضغ القات وتحوّل ذلك المجلس الفخم إلى زريبة مع احترامي للمضيّف وقلت في نفسي الله يعين الخادمات على التنظيف فيما بعد عندما ينفض الجمع،
هذا المنظر وأسوأ منه رأيته في صالات العزاء التي حضرتها في صنعاء وخاصة عزاء الشخصيات الكبيرة
الأوراق والأغصان المتناثرة تملأ المكان بشكل مقرف ومقزز لا يتحمله الشخص السوي،
والشيء بالشيء يذكر دُعيت ذات يوم لتناول طعام الغداء عند وزيرٍ أسبق وكان يترأس إحدى منظمات المجتمع المدني وبعد الغداء تم إعطاء كل واحدٍ ربطة قات فاعتذرت عن استلامها وكان معالي الوزير أمامي فقال ما هذا يا أستاذ محمد أنت ما تخزن فتبسمت فيبدو أنه اغتاظ من ابتسامتي فقال ايه الحكاية عندما نقول لحضرمي ما تخزن يبتسم ابتسامة عجيبة!
هيا قل لنا ما قد خزنت ولو مرة في حياتك؟
قلت له بلى مرتين تقريباً في عدن عام 1982م
قال لي كيف كان شعورك لما خزنت؟
قلت له الحقيقة شعرت أنني خرجت عن آدميتي التي خلقني الله عليها هنا ردّ عليّ بامتعاض أيضاً وقال لأنه قات ضالعي،
حقيقة ندمت على ردي القاسي وحسيت أنني أسأت له وللحضور لأنهم جميعاً من المخزنين بما فيهم دكتور مصري كان حاضراً أيضاً،
وهنا سأتطرق لبعض الإضافات التي وافاني بها صوتياً أحد رجال الأعمال حيث بدأ حديثه بشكري على تركيزي للحديث عن هذه الآفة التي أبتلي بها كثير من اليمنيين فجزاك الله خيراً اخي الكريم لا داعي للشكر ما أنا إلا أقوم بواجبي في التوعية لعلّ وعسى أن نساهم في اقتلاع هذه الشجرة الخبيثة، وقال لي أنه متفق معي على أن هذه الشجرة هي السبب الرئيس للتخلف الذي يعيشه الشعب اليمني وقال من المؤلم أن كثير من أصحاب القرار قد ابتلاهم الله بذلك،
وقد أخبرني بمعلومة أن الدكتور نجيب غانم رئيس لجنة الصحة والسكان بمجلس النواب قدّم ذات يوم للمجلس دراسة وتصوّر للتخلص والقضاء على شجرة القات بشكل تدريجي وخلال عشر سنوات، لكن للأسف أن أغلبية أعضاء المجلس رفضوا طرح الموضوع من حيث المبدأ ناهيك عن دراسته،
وهؤلاء هم النخبة ممثلو الشعب في المجلس فكيف بالآخرين،
وسأستكمل ما قاله الأخ العزيز في الأسبوع القادم.