مقالات الرأي

تحليل أزمة حضرموت: فساد مستشرٍ وتحديات تنموية ورؤية إصلاحية:

✒️أ.د. عمر المحمدي

تُعاني محافظة حضرموت، رغم مكانتها الاستراتيجية وثرواتها الطبيعية الهائلة، من أزمات اقتصادية وخدمية حادة، تُلقي بظلالها على حياة مواطنيها وتُنذر بتداعيات خطيرة. تتشابك هذه الأزمات في نسيج معقد من الفساد المستشري، وسوء الإدارة، وغياب الشفافية، وتدهور البنية التحتية. تُعالج هذه الدراسة الوضع الراهن وتُقدم رؤية أكاديمية لإصلاح شامل يستند إلى مبادئ الحوكمة الرشيدة، بعيدًا عن لغة البيانات الثورية، مع التركيز على الجوانب الأكثر إلحاحًا.

أولا. أسباب الأزمة: الفساد وسوء الإدارة:
تُشير المعطيات إلى أن الأزمة في حضرموت ليست مجرد نتيجة للظروف العامة في البلاد، بل هي انعكاس مباشر لعدة عوامل داخلية:

1. الفساد المؤسسي:
يتغلغل الفساد في مفاصل الدولة، من أعلى الهرم الإداري إلى المكاتب الخدمية، ويتمثل في العديد من الممارسات غير القانونية. تُشير التقارير إلى أن هناك جهات حكومية لا تلتزم بتوريد إيراداتها إلى البنك المركزي، مما يُشكل استنزافًا ضخمًا للمال العام. يمتد هذا الفساد ليشمل مكاتب حساسة مثل الهيئة العامة للعقار وإدارة الكهرباء والسلطة المحلية، حيث تُمارس تجاوزات إدارية ومالية تؤثر مباشرة على الخدمات المقدمة للمواطنين وتُعزز من حالة عدم الثقة.

2. إهدار الموارد الطبيعية: تُعد حضرموت من أغنى المحافظات بالنفط والغاز، لكن ثرواتها لم تنعكس إيجابًا على مستوى معيشة سكانها. تُستنزف هذه الثروات في استيراد المشتقات النفطية بدلًا من الاعتماد على الإنتاج المحلي، وتُدار بطرق غير شفافة تزيد من معاناة المواطنين وتُعيق التنمية.

3. انهيار الخدمات الأساسية: على الرغم من أن حضرموت تُنتج وتُصدر النفط، فإن خدمات الكهرباء والمياه في حالة يرثى لها. لا تُصرف رواتب الموظفين والمستحقات المالية بانتظام، مما يدفع بالعديد من الأسر إلى مستوى الفقر. راتب الموظف الجامعي، على سبيل المثال، بالكاد يغطي جزءًا بسيطًا من نفقات المعيشة في ظل الارتفاع المستمر في أسعار السلع الأساسية.

4. استنزاف العملة الأجنبية: تُشير الدراسات الاقتصادية إلى أن هناك استنزافًا كبيرًا للعملة الأجنبية، وهو ما يؤثر سلبًا على قيمة العملة المحلية ويزيد من تكلفة السلع الضرورية للمواطن.

ثانياً. النتائج: تدهور الأوضاع وانفجار وشيك:
أدت هذه الأسباب إلى نتائج كارثية على كافة المستويات:

1. تفاقم الفقر وتدهور المعيشة: يعيش سكان حضرموت، أكبر المحافظات اليمنية مساحة ومنتجة للثروات الطبيعية، في ظروف معيشية صعبة للغاية. يُمثل انخفاض قيمة العملة وارتفاع الأسعار تحديًا يوميًا لأغلب الأسر.

2. تآكل الثقة في المؤسسات: تسببت ممارسات الفساد في فقدان الثقة في المؤسسات الحكومية وقدرتها على إدارة شؤون المواطنين.

3. احتقان شعبي: يولد هذا الوضع حالة من الاحتقان الشعبي، قد تُفضي إلى انفجار مجتمعي لا تُحمد عقباه، وتُهدد السلم الاجتماعي.

ثالثاً. رؤية أكاديمية للإصلاح: مسار للإنقاذ..
لتحقيق إصلاح شامل ومستدام، تُقدم هذه الدراسة رؤية أكاديمية ترتكز على مبادئ الحوكمة الرشيدة، ويمكن تلخيصها في عدة محاور:

1. تعزيز الشفافية والمساءلة:
– إلزام الجهات الحكومية كافة بالإفصاح عن إيراداتها ونفقاتها بشكل دوري وشفاف، وتفعيل دور الأجهزة الرقابية.
– تشكيل هيئة رقابة شعبية مستقلة تضم أكاديميين ومنظمات مجتمع مدني لمتابعة تنفيذ الإجراءات الإصلاحية.

2. إصلاح الإدارة المحلية:
– إجراء تغيير شامل في قيادات مكاتب الدولة ومدراء المديريات التي ثبت فشلها في إدارة الأزمات وتلبية احتياجات المواطنين.
– إعداد برامج تدريبية للكوادر الإدارية لتأهيلهم في مجالات الحوكمة والإدارة الحديثة.

3. إصلاح قطاع الطاقة:
– وضع خطة عاجلة لإصلاح مصفاة عدن واستغلال النفط المحلي لتلبية الاحتياجات الداخلية، مما يُخفف الضغط على العملة الأجنبية ويُعزز من استقلال الطاقة.
– إنشاء لجنة فنية متخصصة للإشراف على توزيع المشتقات النفطية بأسعار معقولة وعادلة.

4. دعم الاقتصاد المحلي:
– تخصيص نسبة من الإنتاج السمكي والزراعي للسوق المحلي بأسعار مُدعومة، بما يُحقق الأمن الغذائي ويُعزز من القدرة التنافسية للمنتجات المحلية.

5. هيكلة المؤسسات الأمنية:
– توحيد القوات العسكرية والأمنية تحت قيادة مركزية، بما يضمن سيادة الدولة ويمنع التجاوزات.

إن هذه الرؤية تُقدم خارطة طريق مُستلهمة من واقع الأزمة، وتؤكد أن الإصلاح ليس مطلبًا عابرًا، بل هو ضرورة حتمية لتحقيق الاستقرار والتنمية في حضرموت.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button
en_USEnglish