مُدمِّر اليمن ومُضيّع اليمنيين3

بقلم: محمد أحمد بالفخر
في الأسبوع الماضي توقفت عند الانتشار الكبير لأسواق بيع القات في المحافظات الجنوبية والشرقية بعد عام 1990م،
وسأبدأ اليوم بما أخبرني به الأستاذ محمد عمر باشنيني رداً على مقالي فقال دائماً أقول وبدون تردد أنّ أي شخصٍ يتعاطى هذا البرسيم أغسل يدك منه، وقال لا يمكن يتطور شعبٌ وثلثي دخله القومي يذهب للقات،
وذكّرني أيضاً بإيجابية تحسب لفترة حكم الرئيس سالم ربيّع الذي كان من أشد المحاربين لهذه الشجرة الخبيثة،
وقال إن أحد أقاربه كان يعمل مع الرئيس سالم ربيع ومن سلوكه الدائم تفقد بعض الأحياء وبشكل سري، فقال دخلنا معه ذات ليلة حي القاهرة الشعبي في مدينة عدن ووجدنا شخصاً في الشارع يترنّح من السكر، فقال أدخلوه بيته،
وبعدها مشينا في شارع آخر فوجدنا شخصاً يتعاطى القات عند باب بيته، فقال حمّلوه في السيارة فقلت للأخ الرئيس غريب أمرك؟ السكران قلت أدخلوه بيته ومخزّن القات قلت حمّلوه في السيارة؟
قال اسمع يا ولدي السكران هذا سكران ومنبوذ من أسرته والمجتمع وكل السكارى لا يزيدوا على عدد أصابع اليد وسيأتي الوقت الذي يجد نفسه منبوذاً ويبطّل السُكر،
أما مخزّن القات إذا تُرِك سيصبح التخزين في كل بيت وستُدمّر البيوت وستفكك الأسر وسيدمّر العباد والبلاد، ولا تحلموا بأي تنمية بعد ذلك ولا سلام ولا وئام إذا سُمِحَ لهذه الشجرة الخبيثة بالانتشار،
كان حكيماً رحمه الله ولهذا لم يتركوه في الحكم،
انتهى كلام باشنيني،
والناظر لحالنا المزرى اليوم يرى مدى بُعد النظر للرئيس سالمين، وإذا أردنا أن نعرف حجم التوسع في استهلاك القات فلننظر فقط إلى الطرق الطويلة ستجد مئات السيارات الحديثة الصُنع وهي تتحرك به بعد منتصف الليل من جبال مُريس ومن أرحب وبني حشيش وهمدان وغيرها من أماكن زراعته وتقطع المسافات الطويلة والطرق الغير سويّة بسرعة جنونية حتى يصلوا الأسواق المستهدفة قبل الظهر، في مدن شبوة وأبين وكل مدن حضرموت بل يصلون الى القرى النائية وبانتظام، والتي لم تصل إليها الخدمات الضرورية من كهرباء ومياه وتعليم وخدمات صحية في حدها الأدنى، ناهيك عن الاحتياجات الأساسية للأسرة،
وكذلك يصلون إلى المدن الرئيسية بمحافظة المهره،
بل وقد تم إيصاله إلى جزيرة سقطرى جوّاً من خلال رحلات طيران اليمنية والطيران الحربي،
وإذا نظرنا إلى القات من منظور سياسي واقتصادي واجتماعي وصحي لوجدنا أنه من أكبر عوامل الهدم والتدمير لليمن أرضاً وإنساناً،
ففي الجانب السياسي ومن خلال القات وتجارته وانتشاره وتعاطيه سهّل على النُظم الحاكمة المتعاقبة إدارة جموع الموالعة وتوجيههم وفق أهدافها وبرامجها دون إدراك منهم بما يهدف اليه ذلك السياسي والحاكم الذي ينظر إليهم والى الوطن كأنهم أحد املاكه الخاصة،
ففي مجالس القات يصيغ دهاقنة السياسة ما يحلوا لهم أن يصيغوه من برامج وأفكار لم يلمس المواطن لها نفعاً على مدار عقود مضت، إلاّ فيما ندر والنادر لا حكم له،
وهنا تتأكد قراءة صديقي الأستاذ سالم للواقع اليمني فقال (عشت في صنعاء منذ مطلع الثمانينيات وللأمانة لم يكن القات في تلك الأيام منتشراً بهذا الشكل الجنوني الذي أراه الآن، وأنا على يقين أن هناك من المستشارين الخاصّين للحاكم والمعروفين بانتمائهم السلالي من أشاروا عليه بضرورة التوسّع في زراعة القات وترويجه، ولهم مبتغاهم في ذلك وهو الحال الذي وصلنا إليه)
وفي مجالس قات الساسة يتسلل إليها مجاميع عناصر السفارات والاستخبارات الأجنبية ويتيسر لهم الحصول على المعلومات بكل يسرٍ وسهولة، فالمتعاطي للقات مهما بلغت حذاقته ومع الوصول للنشوة والشعور الزائف بالعظمة كأنّه مَلِكٌ متوّج،
مما يجعله يتحدث بكل صغيرة وكبيرة مما لديه من المعلومات سمعها من هذا المسؤول أو ذاك، وحتى يشعرك بأهميتها فبالتالي لابد من استخدام عبارة (المجالس بالأمانات) حتى لا يسرّبها المتلقّي للآخرين، وهو لا يدرك أنّ كل كلمة أو معلومة لها مراكز متخصصة في أجهزة الاستخبارات العالمية تفحصها فحصاً شاملاً وفي غاية الدقة وتضعها ضمن تقاريرها ودراساتها،
وبفضل مجالس القات أصبح اليمن كتاباً مفتوحاً لكل من هبّ ودبْ،
بل واستبيحت أرضه وسماءه وبحاره، ونُهِبَت مقدّراته،
والواقع الذي تعيشه اليمن في الوقت الراهن يؤكّد ما أشرت إليه،
ونكمل الخميس القادم بإذن الله.