مقالات الرأي

مركزي عدن وصنعاء وماراثون فرض الهيمنة

*د. وليد أحمد العطاس

يتسابق كلا من البنك المركزي في عدن والمركزي في صنعاء من أجل فرض السيطرة على مناطق نفوذه مع امتلاك كلا منهما نقاط قوة، فمركزي عدن متحصن بالاعتراف الدولي ودعم المؤسسات النقدية الدولية، بينما مركزي صنعاء فرض سيطرته من خلال الأمر الواقع وباستخدام القوة في تثبيت سعر صرف الريال اليمني.
في 18 سبتمبر 2016 صدر القرار الجمهوري بنقل المركزي من صنعاء إلى عدن وتعيين منصر القعيطي، محافظا للبنك خلفا لمحمد بن همام.. وعلى الرغم من أن بن همام استطاع تحييد المركزي والسلطة النقدية عن الصراع السياسي في البلد إلا إن القرار ترتب عليه انقسام السياسة النقدية. وتم تقدير حجم النقود بما فيها الأوراق النقدية القديمة في عدن في ذلك الوقت بنحو 1.3 تريليون ريال.
مركزي صنعاء قدر حجم النقود لديه ب 4.1 تريليون.. حيث اكتفى بهذا الكم دون طباعة أي عملة جديدة نظرا لعدم اعتراف المجتمع الدولي والمؤسسات المالية به كممثل للسياسة النقدية اليمنية.
بدأ مركزي عدن بالاعتماد على طباعة العملة المحلية في محاولة منه لتغطية عجز السيولة، ولكن هذا التصرف كلف الاقتصاد اليمني الكثير من التبعات السلبية والتحول من سياسة التعويم المدار إلى التعويم الحر في تحديد سعر صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية، وأدى إلى تضخم جامح في الاقتصاد الوطني، مع استمرار انهيار قيمة الريال اليمني في عدن حيث وصل إلى 763 ريال مقابل الريال السعودي دون أي تحرك جاد لوقف تدهوره من المركزي في عدن، سوى استمرار الاجتماعات وإصدار البيانات التي لا تسمن ولا تغني من جوع. مع استمرار الانهيار.

وقدرت كمية الأموال المطبوعة والمستلمة من قبل مركزي عدن منذ أوائل عام 2017 بمبلغ 200 مليار ريال، واستمرت عملية الطباعة حتى وصلت بحسب التقديرات في نهاية 2021 إلى 4.1 تريليون ريال.. ما أدى إلى انهيار الريال اليمني بشكل متسارع، وفقدان الثقة في العملة المحلية وزيادة الطلب على العملات الأجنبية كمخزن للقيمة.
ومع مرور الوقت تم سحب واختفاء العملة المحلية القديمة من السوق في عدن نظرا لوجود اختلاف في قيمتها مابين عدن وصنعاء.. حيث فرض مركزي صنعاء قوته لتثبيت سعر صرف الريال اليمني بينما انهارت قيمته في عدن نتيجة السياسة النقدية المتبعة.
تهالكت العملة المحلية في صنعاء، وأصبح من الصعب تداولها، وبالتالي لجأ إلى طباعة عملة جديدة مؤخرا لتعوض النقص في العرض النقدي، وسحب العملة القديمة المتهالكة أصلا حتى لا تسبب تضخم في السوق.
وعلى الرغم من عدم وجود أدنى مقومات طباعة عملة جديدة من عدم ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي أو وجود غطاء نقدي من العملات الأجنبية أو من الذهب او غيرها من المتطلبات إلا أن مركزي صنعاء قد عمد إلى هذا التصرف كسلطة أمر واقع في مناطق سيطرته.. كأحد مبررات الإصدار النقدي الجديد لاستبدال العملة القديمة المتهالكة.
في عدن وعلى الرغم من كمية الأموال المطبوعة إلا ان انهيار الريال مازال مستمرا إضافة الى وجود شحة في السيولة النقدية المحلية، مع عدم اعتماد المركزي مؤخرا على تمويل العجز من خلال ضخ عملة جديدة في السوق.
كان يؤمل على تنفيذ الخطة الأممية التي تمت الموافقة عليها من جميع الأطراف المعنية حيث تقضي بدمج المركزي مرة أخرى، وتوحيد العملة المحلية من خلال معرفة القيمة الحقيقية للريال في صنعاء وبعدها يتم الإبقاء على العملة الأقوى في التداول وسحب العملة الأضعف من السوق بشكل تدريجي، إلا أن هذه الخطة أصبحت صعبة التنفيذ في ظل تطورات الأوضاع في المنطقة.
مركزي عدن يحاول التعجيل في الاستفادة من منحة البنك الدولي لنظام المدفوعات الذي سيتم دعمه بالكامل من قبل البنك الدولي.. مع إصداره بيانات استنكار لما قام به مركزي صنعاء وكأنهم تحت سلطته.

ومازال السجال مستمرا بين البنكين، وفي انتظار ما ستوضحه الأيام المقبلة عن معرفة مصدر طباعة العملة الجديدة في مناطق الحوثي، وكيف تم إدخالها إلى صنعاء.

*أستاذ العلوم المالية والمصرفية المشارك بجامعة حضرموت

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button
en_USEnglish