الشيخ أحمد بادحمان.. ضرير البصر بصير القلب

بقلم: عبدالله بشهر
الشخص قد لا يرى بعينيه، لكنه يمتلك بصيرة عميقة وفهمًا للأمور بقلبه وروحه. البصر الحقيقي ليس فقط رؤية الأشياء بالعينين، بل هو فهم جوهر الأشياء ومعانيها العميقة بالعقل والقلب، قد يكون الشخص أعمى، لكنه يمتلك بصيرة قوية تمكنه من رؤية ما لا يراه الآخرون.
نعم…هذا ما تميز به الشيخ أحمد بادحمان، فقد البصر وأنار الله قلبه بالبصيرة.
لم يكن رحمه الله مجرد إمام مسجد يصلي بالناس، بل كان إمامًا وفقيهًا وداعية ومعلمًا ومربيًا وناصحًا ومصلحًا بين الناس.
مرت أربعة وعشرون عامًا على رحيله، وكأنها أربعة وعشرون ساعة! ما زال صدى صوته الجميل وتلاوته العطرة للقرآن في أذهاننا، ولم يغب صوته عن مسامعنا حتى الآن.
ذلك الصوت الشجي والنبرة التي ما زالت في أذهاننا منذ الصغر، عندما بدأنا نرى الشيخ أحمد إمامًا لجامع الشهداء، حينها كان صوته بالقرآن والذِكر هو أول الأصوات الروحانية الجميلة التي وصلت إلينا، وتربينا عليه وتعوّدنا سماعه.
أربعة وعشرون عامًا مرت فقدنا فيها شيخنا، ومعلمنا، ومربينا، وإمامنا.
أربعة وعشرون عامًا مرت بعد رحيله، تغير فيها حالنا، كما تغير فيها حال مسجد “الشهداء”، تعدد الأئمة، وتعدد المؤذنون، وتعددت اللجان، وتعدد القائمون على المسجد!
الشيخ أحمد محمد عبدالله بادحمان باعشر رحمه الله، ولد يوم الأربعاء 1930/3/12م في قرية القرين بمديرية دوعن.
فقد بصره في سن التاسعة، وأقام في السودان ثلاث سنوات لعلاج عينيه وحفظ القرآن هناك، وعندما بلغ العشرين من عمره انتقل إلى جمهورية مصر للدراسة في الأزهر وأكمل دراسته عام 1968م، وفي عام 1969م ذهب إلى مدينة المكلا وعمل فور وصوله في محكمة المكلا، ثم عُيّن إمامًا لمسجد الشهداء بديس المكلا، وكان المسجد في ذلك الوقت مصلى.
كان رحمه الله حريصًا على الحج والعمرة، فاعتمر 32 عمرة وحج أكثر من 10 حجات.
أصيب الشيخ في آخر حياته بمرض ألزمه البقاء تسعة أيام في مستشفى حضرموت، وفي ليلة الخميس الساعة التاسعة والنصف، بتاريخ 2001/7/4م توفي الشيخ أحمد بادحمان عن عمر ناهز 71 عامًا، وأُقيمت صلاة الجنازة عليه في مسجد الشهداء، وصلى عليه الشيخ أحمد باوزير رحمه الله، والجموع الكبيرة من المصلين، ثم نُقل جثمانه في موكب جنائزي مهيب إلى مقبرة يعقوب بالمكلا ليُدفن فيها.
رحل الشيخ الأزهري أحمد بادحمان وترك خلفه أعمالًا صالحة وسيرة طيبة عطرة.
هو الآن في عداد الأموات، لكنه حيُّ في قلوبنا.
“قد مات قوم وما ماتت فضائلهم… وعاش قوم وهم في الناس أموات”.
رحم الله الشيخ أحمد بادحمان وجزاه خيرًا عن كل أعماله الصالحة، نسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناته ويغفر له ويسكنه فسيح جناته.
#عبدالله بشهر
المكلا، 4 يوليو 2025م