جوازات المكلا

بقلم: محمد أحمد بالفخر
منذ استقراري الفعلي بمدينة المكلا بدأً من العام 1994م وكلما اضطررت لاستخراج جواز سفر لي أو لأحد أفراد الاسرة كنت اذهب الى مبنى الجوازات في حي الديس ذلك المبنى المتواضع، والذي تم بناؤه وسط ذلك الحي الشعبي في مطلع سبعينيات القرن الماضي ومن خلال المبادرات الشعبية الإلزامية التي كان معمولاً بها في تلك الفترة كما أخبرني بذلك العقيد حسين الكسادي المدير السابق لفرع مصلحة الجوازات بساحل حضرموت،
فأول ما يلفت نظرك الشارع المزدحم بالسيارات والمارّة شارع لا يزيد عرضه عن عشرة أمتار، وترى تكدّس المراجعين امام تلك البوابة الصغيرة التي يحرسها أكثر من عسكري يمنعون الدخول،
والسعيد من كان مفتول العضلات وشق طريقه الى الداخل ووسط هذا التزاحم ينبري لك اشخاص سماسرة يعرضون خدماتهم لإنجاز معاملتك خلال أقل عدد من الأيام الممكنة ووفق سخاء يدك،
ويجد المراجع نفسه مضطراً أن يسلك هذا المسلك،
وكنت قد سمعت أيام المحافظ الأسبق لحضرموت الأستاذ صالح عباد الخولاني رعاه الله أنه قد تم تخصيص أرضاً كبيرةً لمصلحة الجوازات في أحد الاحياء الجديدة لم يسعفه الوقت لإنشاء هذا المشروع، ثمّ جاءت الطفرة المليارية الهلالية العجيبة والتي لم تترك بدوياً واحداً في رؤوس الجبال أو في أدغال الشعاب أو متاهات الصحاري إلاّ وأحضرته الى المكلا لمشاهدة الزعيم وهو يزفُّ له بشرى مشاريع السكة الحديدية وتوليد الكهرباء بالطاقة النووية، لكنها لم تلتفت لإقامة مبنى معقول لمصلحة الجوازات يسهّل على المواطن الحصول على وثيقة السفر بيسرٍ وسهولة ولو حتى من إيرادات المصلحة ذاتها، أمام هذه المناظر السلبية تجد بشارات الأمل تنبثق من خلال أشخاص مميزين يراعون الله في عملهم ويبذلون قصارى جهدهم لخدمة الوطن وتسهيل أمور المواطن وفق القدرات المتاحة، وهنا أتحدث للتاريخ ومن خلال ما شاهدته ولمسته، فمنذ تعيين العميد فهمي بلكديش نائبا لمدير مصلحة الجوازات بساحل حضرموت ثم مديراً عاماً فيما بعد إلا وقد انبرى لعملية تصحيح كبيرة ومن داخل المبنى القديم ذاته،
عملية ترتيب داخلية أولاً للمكاتب والموظفين والارشيف والحسابات والصندوق من خلال الإمكانات المتاحة والمحدودة،
ثم قضى قضاءً مبرماً على السماسرة وأنهى وجودهم داخل المبنى وخارجه وأصبح لا مكان لهم ولا مجال لخدماتهم الغير مشروعة بحالٍ من الأحوال،
نظّم عملية تقديم الطلبات للرجال والنساء بطريقة سلسة لا تشوبها شائبة ولا يحدث فيها عملية تزاحم مع مراعاة لذوي الاحتياجات الخاصة،
وتم تحديد رسوماً ثابتة يعرفها القاصي والداني تدفعها بسند رسمي،
وقد تم الانتقال الى المبنى الجديد الذي شكّل حالة أفضل ولا تقارن بما مضى بحالٍ من الأحوال وإن كان يفترض أن يكون مميزاً كتميّز حضرموت ومكانتها،
لكن كما يقول المثل الحضرمي (شيء أحسن من لا شيء).
قدّر لي الذهاب الى هذا المبنى الجديد بغرض تجديد جواز السفر دخلت حوش المبنى وسألت أين مكتب المدير؟ قيل لي أنه ليس في المكتب ولكنك ستجده في الشارع المجاور تحت ظل الشجرة المقابلة وذهبت اليه فوجدته جالساً على الرصيف وعدد كبير من المراجعين حوله، يشرح لصاحب المعاملة ما يجب عليه فعله ويوقع على جواز آخر وهكذا، سلّمت عليه وقلت له اليس لك مكتب قال بلى، ولكنّ الكهرباء طافيه ولدينا مولد كهربائي لم تدعمنا السلطة المحلية بثمن الديزل لتشغيله ونحن نورد سنوياً لخزينة البنك المركزي ما يقارب أربعمائة مليون ريال يمني ونتمنى لو أنهم دعمونا بمبلغ لشراء منظومة الطاقة الشمسية البديلة للكهرباء حتى نشتغل في يسرٍ وسهولة وننجز معاملات المواطنين دون تأخير،
قلت لماذا لا تشترون من الإيرادات قال إذا خصمنا شيئاً منها لن يزودونا بجوازات جديدة وبالتالي سيكون الضرر على المواطنين،
شاهدت موقفاً ايجابياً آخر اعلان للمواطنين الذين قدموا معاملاتهم ما قبل العيد فقد تم تحديد موعد التسليم يوم السبت رغم أنه إجازة رسمية والهدف تخفيف الضغط وإنجاز أكبر ما يمكن إنجازه،
تأمّلت كثيراً ولم أقلها في نفسي بل على الملأ لو كان لدينا أكثر من شخصٍ في مواقع المسؤولية مثل أبو عمر لربما كان حالنا أفضل مما نحن عليه.
ختاما هذا مثال بسيط للموظف والمسؤول المتميز الذي يراعي الله في عمله ويريد أن ينجز ولو بأقل التكاليف وبالموارد المتاحة.