اغتيال العقول: كيف ضربت إسرائيل قلب البرنامج النووي الإيراني عبر تصفية علمائه؟

بقلم: أوسان بن سدة
في عالم الصراعات النووية، لا تُخاض المعارك فقط على أراضي المنشآت السرية وتحت الأرض في المفاعلات المحصّنة… بل تجري أيضًا في العقول.
عقول العلماء الذين يديرون مراحل التخصيب، ويبتكرون التقنيات، ويقودون الأبحاث نحو القنبلة.
على مدار أكثر من 15 عامًا، خاضت إسرائيل واحدة من أخطر حروب الظل ضد إيران: حرب استهداف العلماء.
ومن الاغتيالات الفردية الدقيقة إلى الضربات الجماعية المركزة، بدا واضحًا أن تل أبيب قررت المضي حتى النهاية في تصفية كل من يمتلك أسرار البرنامج النووي الإيراني.
عقد من التصفيات… وسلسلة من الأسماء
بدأت هذه الحرب الخفية في يناير 2010، عندما اغتيل الدكتور مسعود علي محمدي، أستاذ فيزياء الجسيمات النووية، عبر عبوة ناسفة زُرعت في دراجته النارية أمام منزله في طهران.
ثم جاء الدور على مجيد شهرياري، أحد كبار مطوري أجهزة الطرد المركزي الإيرانية، الذي قُتل في نوفمبر من نفس العام، إثر انفجار عبوة لاصقة زُرعت في سيارته.
وفي محاولة اغتيال فاشلة في اليوم ذاته، استُهدف فريدون عباسي دواني، خبير في فيزياء الليزر والرئيس المستقبلي لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، لكنه نجا من الموت بأعجوبة.
في يوليو 2011، اغتيل داريوش رضائي نجاد، المتخصص في الإلكترونيات النووية، بإطلاق نار مباشر أمام منزله أثناء عودته مع زوجته وابنته.
وبعد أشهر قليلة، في يناير 2012، جاء الدور على مصطفى أحمدي روشن، مدير الإمدادات اللوجستية لموقع نطنز النووي، والذي قُتل بنفس الطريقة… عبوة لاصقة على سيارته وسط طهران.
أما الضربة الأشد وقعًا، فجاءت في نوفمبر 2020، عندما نجحت إسرائيل في اغتيال محسن فخري زاده، كبير علماء المشروع النووي العسكري الإيراني، عبر عملية نوعية استخدمت فيها رشاشًا آليًا مزودًا بتقنيات الذكاء الصناعي والتحكم عن بُعد.
يونيو 2025… من اغتيال الأفراد إلى استهداف جماعي للخبراء
بعد سنوات من الاغتيالات الفردية، جاء يونيو 2025 ليمثل تحولًا نوعيًا في هذه الحرب.
ففي عملية مشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، استُهدفت منشآت فوردو ونطنز وأصفهان بسلسلة من الضربات الجوية الدقيقة.
لكن الأخطر… لم يكن القصف بحد ذاته، بل قائمة الضحايا البشرية.
ففي غضون 48 ساعة، فقدت إيران مجموعة من كبار علمائها وخبرائها النوويين، أبرزهم:
• فريدون عباسي، الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، والمتخصص في الهندسة النووية، والذي قُتل يوم 13 يونيو 2025 في طهران.
• محمد مهدي طهرانجي، أستاذ الفيزياء النظرية ورئيس جامعة “آزاد” الإسلامية، الذي لقي حتفه في نفس اليوم.
• عبد الحميد منوشهر، رئيس كلية الهندسة النووية بجامعة شهيد بهشتي، قُتل أيضًا في 13 يونيو.
• أحمد رضا ذو الفقاري دارياني، عميد كلية العلوم النووية بنفس الجامعة، توفي في اليوم ذاته متأثرًا بإصابته.
• أكبر مطلب زاده، مهندس كيميائي كان يعمل على تطوير مواد نووية متقدمة، قتل يوم 14 يونيو.
• سعيد برجي، خبير في هندسة المواد، ومشارك رئيسي في تطوير مكونات أجهزة الطرد المركزي، قُتل أيضًا في 14 يونيو.
• أمير حسن فكهي، متخصص في فيزياء الجسيمات والطاقة النووية، لقي حتفه في أصفهان يوم 14 يونيو.
• منصور عسكري، أحد الباحثين في أبحاث الطاقة النووية، قتل في نفس اليوم.
• علي باكوايي كتريمي، خبير الميكانيكا المتخصص في تصميم أجهزة الطرد المركزي، لقي حتفه أيضًا في 14 يونيو.
الأثر الإستراتيجي: “برنامج بلا عقول”
تكرار استهداف الكوادر العلمية بهذا الشكل الدقيق والممنهج، لم يكن عشوائيًا.
إسرائيل تدرك جيدًا أن المنشآت يمكن إعادة بنائها… لكن العلماء لا يمكن استبدالهم بهذه السهولة.
اليوم، يواجه البرنامج النووي الإيراني نزيفًا مزدوجًا:
من جهة… تدمير المنشآت بفعل الضربات الجوية.
ومن جهة أخرى… تدمير العقول البشرية التي تمثل الذاكرة الحية والتقنية للمشروع.
بحسب محللين غربيين، فإن الخسائر الأخيرة قد تعيد البرنامج النووي الإيراني سنوات إلى الوراء.
يمكننا أن نلخص ذلك في أن حرب العقول مستمرة… والرسائل أوضح من أي وقت مضى
من طهران إلى نطنز… ومن أصفهان إلى فوردو…
الرسالة الإسرائيلية واضحة:
“لن ننتظر القنبلة… بل سنوقف من يصنعها.”
وحتى إشعار آخر… ستظل حرب الظل مستمرة… ولن تكون العقول الإيرانية آمنة… سواء في المختبرات… أو في شوارع طهران.