مقالات الرأي

إغلاق أبواب الحوار وتفصيل إدارة المرحلة على مقاسه

بقلم : أحمد النهدي

في خضم التحولات الكبرى التي تمر بها محافظة حضرموت، برزت مكونات غير رسمية، على رأسها “حلف قبائل حضرموت”، الذي يتقدم تدريجيًا كلاعب في المشهد، مدعيًا تمثيل مصالح أبناء المحافظة بشكل أحادي. هذا المشهد أثار الكثير من التساؤلات حول مستقبل حضرموت، ومآلات إدارة شؤونها، وسط مساعٍ لبعض الأطراف لاختزال القضية في مكونات قبلية تضيق على التعدد وتمارس نوعًا من الاحتكار التمثيلي، بطريقة تنطوي على مخاطر تفتيت الوحدة الوطنية وتقويض أسس التعايش السلمي.

انفصال الحلف عن عناوين التوافق

يبدو أن “حلف قبائل حضرموت” يعيد رسم خارطة النفوذ، منطلقًا من سيطرة إعلامية وبيانات وندوات قبلية، في محاولة لإدارة المرحلة بشكل منفرد، تحت غطاء “التمثيل القبلي”. فيما يُروَّج له في الوقت نفسه لما يصفه بـ “مطالب حضرمية”، إلا أن جوهر هذا التوجه ليس إلا صيغة لحكم ذاتي على مقاسه، خالٍ من رؤية تشاركية، ومن مشاركة فاعلة لمختلف مكونات المجتمع الحضرممي، سواء المدنية أو الشبابية أو القوى السياسية، مما يقوّض من فرص بناء مشروع وطني جامع، يُراعي التنوع ويكفل الاعتراف بكل مكونات المجتمع.

تجاهل السلطة المحلية

ومن الملاحظ أن الحلف يتجاهل تمامًا دور السلطة المحلية باعتبارها المؤسسة المنتخبة والحصرية شرعيًا في إدارة شؤون المحافظة، حيث بات التعامل معها ككيان باهت ومهان، يسهم في إضعاف الشرعية المؤسساتية، ويقوّض مبدأ التراتبية الذي يُفترض أن يحكم العمل الإداري والسياسي. بالمقابل، تتعامل السلطة بحذر، حفاظًا على استقرار وهدوء الأمور، في حين يتزايد التهميش الذي يتعارض مع أبسط أسس الدولة الحديثة؛ فالأمر يتجاوز مجرد مواجهة، ليصبح استهانة بالمبدأ القانوني والسيادي، ويهدد وحدة حضرموت وتماسك نسيجها الاجتماعي.

غياب الحوار وانغلاق الأفق أمام الآخرين

على مدار السنوات، انطلق الحلف من مبدأ التمرد على الدولة والقانون، وعدم استعداده لفتح قنوات حوار مع مختلف المكونات والجهات؛ إذ تُصاغ مواقفه في فضاء مغلق، وتُقدم للناس على أنها القرارات الحضرمية الوحيدة، بينما الواقع يعكس أنها مؤامرة داخل إطار ضيق من القيادات التقليدية، التي لا تقيم وزنًا لتعقيدات المرحلة وتحدياتها. أما القوى الأخرى، فهي تُوصم بالتبعية أو الخذلان، ويتم استبعادها عن معادلة التمثيل الحقيقي، في مشهد يعيد إنتاج مفهوم الأحادية والاحتكار بلا أدنى اعتراف بالتعددية المذهبية أو السياسية أو الاجتماعية.

مخاطر التفرد على مستقبل حضرموت

إن اختزال الواقع الحضرممي في مكوّن قبلي واحد، وإغلاق باب التعدد والاختلاف، لن يسهم في بناء مستقبل مستقر وعادل للمحافظة، بل يُشَكِّل نموذجًا سلطويًا يُقصي الآخر، ويعزز الهيمنة التقليدية التي لا تؤمن بسيادة الديمقراطية والتعايش.
إن حضرموت، بتاريخها الغني وتركيبتها المتنوعة، تستحق أكثر من صوت واحد، وأكثر من رؤية واحدة. فالحوار هو السبيل الأنجع لبناء مشروع حضرمي يعبر عن الجميع، ويحقق الوحدة والاستقرار، ويصنع مستقبلًا قائمًا على التفاهم والتوافق.

ختامًا.. التحدي أمام حضرموت هو في تجاوز لغة الإقصاء وفتح مساحات حقيقية للحوار والتعدد. فالمرحلة تستدعي شخصيات قيادية تقترب من التجديد والنظر للأمام، وتتبنى مشروعًا يكون للكل وليس على حساب أحد. إن صوت التعدد، والتعايش، والانتماء الوطني هو الأدل على قدرة حضرموت على الحفاظ على نسيجها الاجتماعي وتحقيق الاستقرار والتنمية المنشودة.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button
en_USEnglish