ثقافةمقالات الرأي

قراءة قانونية لفهم الحظر الأمريكي على اليمن

في ظل إنقلاب جماعة الحوثيين الإرهابية ومقارنة مع تجربة العراق في الخروج من الحظر

كتب/ محمد سالم بن حمدين*

في القانون الدولي، تُفسَّر القرارات السياسية من خلال دلالاتها القانونية وانعكاساتها الدبلوماسية، لا باعتبارها مواقف منفصلة عن السياق القانوني الناظم لها، حيث تعكس مواقف الدول وتوجهات مؤسسات صنع القرار فيها. وفي هذا السياق، جاء قرار الإدارة الأمريكية لعام 2025 بحظر دخول مواطني الجمهورية اليمنية إلى أراضيها، ضمن مجموعة من الدول، مرفقًا بتوصيف قانوني يشير إلى أن “الحكومة اليمنية غير كفؤة ولا تملك السيطرة الفعلية على أراضيها“! وإذ عبّرت الخارجية اليمنية عن بالغ أسفها إزاء هذا القرار، مؤكدةً حرص الحكومة اليمنية الدائم على تعزيز التعاون الأمني مع واشنطن، ومطالبةً بإعادة النظر في القرار.

أولاً، لتوضيح السياق القانوني لقرار حظر السفر لعام 2025، من الضروري العودة إلى حكم المحكمة العليا الأمريكية في قضية Trump v. Hawaii (2018)، الذي شكّل سابقة قانونية مهمة في تأييد سلطة الرئيس في تقييد الهجرة بناءً على اعتبارات الأمن القومي الأمريكي، وهو ما ينطبق بشكل مباشر على اليمن. وبالرجوع إلى القانون الدولي، تُعرّف السيادة بأنها القدرة الفعلية للحكومة على فرض سلطتها داخل إقليمها، وهو ما يُعرف بمبدأ (Effective Control) السيطرة الفعلية.

هذا المفهوم لا يُقاس بالاعتراف السياسي فقط، بل يُشترط فيه قدرة الدولة على إنفاذ سلطتها في الإقليم الذي تسيطر عليه.

وقد أرسى الفقه القانوني هذا المعيار كشرط أساسي للاعتراف بكفاءة الحكومات. ففي قضية Tinoco Arbitration (1923)، تقرر أن الاعتراف السياسي لا يكفي لإضفاء الشرعية دون وجود سلطة فعلية. كما أكد رأي محكمة العدل الدولية الاستشاري بشأن ناميبيا عام 1971 على ارتباط شرعية التمثيل بقدرة الحكومة على فرض أحكامهما. في القضية الشهيرة نيكاراغوا ضد الولايات المتحدة (1986)، ميّزت المحكمة بوضوح بين الاعتراف السياسي والسيطرة الفعلية، وصرّحت بأن:”The mere recognition of a government does not establish that government’s effective control over a territory or group; attribution of conduct requires effective control over the specific operations in question” .أي أن المسؤولية القانونية الدولية لا تُبنى على الوضع الإنساني أو الدعم السياسي فحسب، بل على ما تُبديه الحكومة من قدرة فعلية وكفاءة مؤسسية في بسط قرارها وعمليتها على الإقليم.

وقد أكدت المحكمة العليا الأمريكية في قضيةBanco Nacional de Cuba v. SSabbatino (1964) هذا المفهوم ذاته، مما يدل على أن السياسات الأمريكية قد تستند إلى اعتراف سياسي بحكومة ما، لكنها تُبقي الباب مفتوحًا لمراجعة التعامل مع مواطنيها الذين يرغبون بالسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية إذا اقترن بكفاءة السيطرة الفعلية لحكومتهم، خصوصًا في القضايا التي تمس الأمن القومي الأمريكي.

ومن حيث التعريف القانوني للدولة، تُعد اتفاقية مونتيفيديو لعام 1933 مرجعًا تأسيسيًا، حيث تنص على ضرورة توافر أربعة عناصر للاعتراف بهذه الدولة: (1) سكان، (2) إقليم محدد، (3) حكومة، و(4) القدرة على الدخول في علاقات مع الدول الأخرى. الشرط الثالث -المتعلق بالحكومة – هو ما تعتبره الإدارة الأمريكية غير كفوء في الحالة اليمنية. إذ تُواجه الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا تحديات في بسط عملياتها، نتيجة إضعاف أطراف محلية قدرات الحكومة. وفي هذا الإطار، لا يُفهم القرار الأمريكي على أنه إلغاء الاعتراف بالحكومة من قبل واشنطن، بل كقراءة قانونية لواقع كفاءتها. أشار الفقيه القانوني الدولي “هانز كيلسن” إلى أن:
“The legality of government under international law is determined not by the claim to legitimacy, but by the actual capacity to govern.”
أي أن شرعية الحكومة في القانون الدولي تُقاس بقدرتها الفعلية على الحكم، لا بمجرد ادعائها للشرعية.

وفي ضوء ذلك، تظهر تجربة العراق كحالة مُلهمة بعد أمر الحظر الصادر في يناير 2017؛ عندما أصدر الرئيس دونالد ترامب في يناير من عام 2017 الأمر التنفيذي (13769) الذي تضمن حظر سفر على مواطني سبع دول، بما في ذلك العراق، تَبع ذلك في 6 مارس من العام ذاته صدور أمر تنفيذي جديد (13780) استثنى العراق من الحظر! كان للحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان عبر ما قدمته من ضمانات لتنسيق أمني وتعاون وثيق في الحرب ضد داعش، دور محوري في إقناع الإدارة الأمريكية بأن الدولة العراقية شريك فاعل في مكافحة الإرهاب. وبالقياس على هذه التجربة، يمكن لليمن أن تسلك مسارًا مشابهًا. فالجهود التي تبذلها الحكومة اليمنية لاستعادة الدولة من قبضة جماعة الحوثي الإرهابية، تُعد أساسًا لبناء الثقة. خصوصًا مع عودة رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور/ رشاد العليمي ورئيس مجلس الوزراء الأستاذ/ سالم صالح بن بريك إلى العاصمة المؤقتة عدن، وهي خطوة سياسية لها رمزيتها ودلالاتها على استعادة كفاءة الحكومة.

من منظور عملي، يوفر تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية أجنبية في مارس 2025 بموجب قرار الإدارة الأميركية رقم (14175)، وترحيب الحكومة اليمنية به فرصة استراتيجية وإطارًا لجدية التعاون بين الحكومة اليمنية وواشنطن في تعزيز التعاون الأمني، مما قد يمهد لإعادة تقييم حظر السفر على اليمن، كما حدث مع استثناء العراق من حظر 2017 ودور الحكومة العراقية في إقناع الإدارة الأمريكية! ويبرز أوجه الشبه بين الحالتين، فبينما كانت الحكومة العراقية قد واجهت تنظيمات مصنفة إرهابية وأثبتت شراكتها الفاعلة في مكافحتها، تسير الحكومة اليمنية على نهج مماثل، إذ لا تزال تخوض مواجهة مستمرة مع جماعة الحوثي الإرهابية، معبرةً عن دعمها لقرار واشنطن في تصنيف الجماعة والعمل المشترك للتصدي لها، بما يؤكد حرصها والتزامها بالمساهمة في تعزيز الأمن القومي الأمريكي والدولي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن الدفع باتجاه الاعتراف بالمناطق المحررة كمناطق خاضعة لحكومة ذات كفاءة، شرطية أن تعمل المكونات السياسية، بما في ذلك المجلس الانتقالي الجنوبي ومؤتمر حضرموت الجامع، على تغليب المصلحة الوطنية، وتعزيز مؤسسات الدولة، وتوفير البيئة الملائمة لاستعادة الثقة الأمريكية. ولضمان ذلك، لا بد من تحرك دبلوماسي منهجي وسريع يشمل:

1. استدعاء السفير اليمني لدى واشنطن للتشاور بشأن القرار وكذلك دعوة السفير الأمريكي لدى اليمن لزيارة عدن وحضرموت وبقية المحافظات الخاضعة للحكومة اليمنية.

2. تشكيل لجنة وطنية تضم قانونيين ودبلوماسيين للتفاوض مع واشنطن بشأن إعادة التقييم قرار الحضر وتفويت الفرصة لدى جماعة الحوثيين الإرهابية بأن الولايات المتحدة الأمريكية عدو لليمن واليمنيين.

3. تطوير إجراءات التحقق من الجوازات والهويات للذين يرغبون بالسفر للولايات المتحدة الأمريكية بالتنسيق مع الأجهزة الأمريكية المختصة.

4. إشراك مكتب المبعوث الأممي في المشاورات لضمان التغطية الدولية وتثبيت الثقة.

في الختام، لا يُعد توصيف الحكومة اليمنية بأنها “لا تسيطر فعليًا على أراضيها” قراراً نهائياً، بل توصيفًا قانونيًا لحالة يمنية تستوجب الوقوف عليها بمسؤولية، إذ أنها قابلة للتغيير متى ما كان هناك تحرك دبلوماسي يؤكد كفاءة الحكومة.

التاريخ مليء بأمثلة حكومات أعادت بناء مؤسساتها بنجاح من خلال إرادة سياسية قوية وإصلاحات شاملة.

ومن الأمثلة الحديثة، سوريا التي تشهد حالة مثالية بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، حيث بدأت خطوات أثبتت حرصها والتزامها بالأمن القومي الأمريكي والدولي. وقد دعمت الولايات المتحدة هذه الجهود برفع العقوبات الاقتصادية عنها في مايو 2025، كما أزالت دمشق من قائمة حظر السفر. وتُعدّ هذه الخطوة انعكاسًا لمستوى التنسيق الوثيق مع واشنطن، ودعمًا لجهود الحكومة السورية في استعادة كفاءتها، وتعزيز قدرتها على الحكم، وصون المصالح القومية الأمريكية والدولية.

 

باحث قانوني – الولايات المتحدة الأمريكية

8/ يونيو / 2025

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button
en_USEnglish