زمزم وميمون

بقلم: د. أحمد باحارثة
تشكل جماعات من الحضارمة جزءًا أصيلا من المجتمع المكي وبنيته الأساسية المتنوعة؛ بسبب طبيعة الرسالة الربانية التي أودعها ربنا تعالى في مكة منذ دعوة أبينا إبراهيم: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} فأتى هؤلاء الناس من أمم متعددة الأجناس، منذ أن نبع بواديها البئر الأول ليتحول من واد مجدب، إلى واد جاذب، جذب أفئدة الحضارم قديمًا وحديثًا ليشكلوا عنصرًا فاعلا، ومؤثرا إيجابيا في تاريخ ومجتمع مكة المكرمة عبر العصور.
وحين نزل قول الله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} قال المفسرون مثل مجاهد وعطاء وغيرهما: أن الآية خاطبت أهل مكة مشيرة إلى أهم بئرين فيها كانوا يستقون منهما ماءهم هما: بئر زمزم وبئر ميمون بن الحضرمي، فمن هو ميمون هذا وما قصته مع تلك البئر؟
تلك البئر المكية التي سميت بئر ميمون حفرها رجل مكي من حضرموت يدعى ميمون، وهو أخو الصحابي القائد العلاء بن الحضرمي فاتح المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية التي كانت تسمى تاريخيا بلاد البحرين.
وقال مؤرخو مكة: كان الماء العذب بمكة عزيزا لا يوجد إلا لإنسان يستعذب له ويطلبه من بئر ميمون في أعالي مكة، وقد حفر ميمون الحضرمي بئره في العصر الجاهلي، وقال المؤرخ الأزرقي: وكانت آخر بئر حفرت بمكة في الجاهلية، وهي البئر التي في التي توجد في ما يسمى حي الجعفرية، قريبًا من الحجون، ومن شعب الحضارمة في منطقة منى، وقال عنها شاعر جاهلي:
إلى بئر ميمون فما حاز حوزها إلى شعب عثمان فاسقي مقيصرا
وقال آخر:
تأمل خليلي هل ترى قصر صالح وهل تعرف الأطلال شعب واضح
إلى بئر ميمون إلى العيرة التي بها ازدحم الحُجَّاج بين الأباطح، ولا يعرف شيء عن إسلام ميمون من عدمه، وهو من أسرة كندية من الصدف هاجرت قديمًا إلى مكة واستقرت بها، وقيل إن هجرتهم القديمة كانت من بعض قرى وادي عمد، وقد عرفنا أنه أخو العلاء أحد كبار مهاجري الصحابة، وفاتح بلاد البحرين وواليها بتكليف من النبي، صلى الله عليه وسلم، وله أخت اسمها الصعبة بنت الحضرمي هي والدة أحد العشرة المبشرين بالجنة، وهو طلحة بن عبيد الله، رضي الله عنه وعن صحابته أجمعين.