مقالات الرأي

حلف القبائل بين المبادئ والمصالح

قراءة في تناقضات عمرو بن حبريش من الهبة إلى الوكالة

خاص – حضرموت نيوز

في عام 2013، وُلد “حلف قبائل حضرموت” ككيان قبلي وشعبي حاملاً مطالب ومخرجات اللقاء القبلي الجامع، بعد محاولات سابقة لم تُكلل بالنجاح، مثل لقاءات عين ون بمديرية الشحر، ولقاء قبائل العوامر. أعلن في اللقاء التأسيسي عن تشكيل لجنة مؤقتة برئاسة المقدم سعد بن حبريش لترتيب الحلف ومتابعة تنفيذ تلك المخرجات.
لكن اغتيال المقدم سعد بن حبريش، الشخصية البارزة في المشهد القبلي الحضرمي ورئيس اللجنة الموقته للحلف، غيّر مجرى الأحداث، إذ تداعت قبائل حضرموت ومختلف مكوناتها المجتمعية للاجتماع في وادي نحب بمديرية غيل بن يمين، وأصدر المجتمعون مطالب جديدة متعلقة بحادثة الاغتيال وما رافقها من تداعيات، وحددوا مهلة زمنية لتنفيذها، ملوّحين بإعلان الهبة الشعبية في حال عدم الاستجابة. وتم التوافق على إسناد رئاسة الحلف إلى المقدم عمرو بن علي بن حبريش العليي، بدعم من قبائل الحموم، نظرًا لخصوصية المطالب المرتبطة بالحادثة التي فجّرت الغضب الشعبي وأعادت إحياء شعور جماعي بضرورة استعادة القرار الحضرمي من هيمنة المركز. حينها، قاد عمرو بن حبريش الحلف وهو يرفع شعار “الكرامة” و”استعادة الحقوق”، مجسدًا صورة الزعيم المطالب بحقوق القبائل والشارع الحضرمي

غير أن هذا الخطاب سرعان ما دخل في منعطفات سياسية أثارت التساؤلات، بل وصنعت حالة من التناقض بين المبادئ المعلنة والممارسات الفعلية.

نكث الاتفاق وتفرد القرار

تأسس الحلف على وثيقة وقّعها عدد من مقادمة  ومشايخ القبائل، أكدت ضرورة العمل الجماعي، وتداول القيادة بين قبائل حضرموت، والالتزام بمبدأ الشورى والتوافق. وقد تم التوافق على تشكيل لجنة لإعداد النظام الأساسي والهيكل التنظيمي، أُقر لاحقًا كمشروع في المؤتمر العام الثالث للحلف.

لكن هذا الإطار التنظيمي سرعان ما جرى الالتفاف عليه، حيث تم تجميده وتجاوز بنوده، مما دفع قبائل الوادي والصحراء إلى الانسحاب وتشكيل ما سُمي بـ”مرجعية حلف قبائل حضرموت – الوادي والصحراء”، وهو ما كشف عن انحراف واضح عن المسار الجماعي للحلف. وقد اتُّخذت قرارات مصيرية باسم الحلف دون الرجوع إلى مكوّناته، أبرزها تعليق الهبة الشعبية عقب اقتحام الشركات النفطية، في وقت كانت فيه المطالب الشعبية في ذروتها، وهو ما اعتبره كثير من النشطاء خيانة لتطلعات الناس، وتقويضًا للثقة التي أُعطيت للقيادة.

كما ناقض الشيخ عمرو بن حبريش ميثاق الحلف من خلال استمراره في رئاسة الحلف، دون تداول أو شراكة، وهو ما يعد انتهاكًا لحق كافة القبائل في قيادة هذا الكيان

من قيادة احتجاجية إلى منصب حكومي
في 2014، قبل الشيخ عمرو بن حبريش بمنصب وكيل أول محافظة حضرموت، وهو ما اعتبره كثيرون نكوصًا عن خط الحلف الذي نشأ كمكون احتجاجي غير حكومي، يُفترض به أن يكون مراقبًا ومُطالبًا لا شريكًا في السلطة. واعتُبر قبول المنصب مؤشرًا على تحوّل في البوصلة، من الدفاع عن الحقوق الجماهيرية إلى تكييف الخطاب بما يضمن البقاء في دائرة النفوذ.

تأسيس مؤتمر حضرموت الجامع.. تنوع شكلي وتفرد فعلي

بعد محاولة تغيير اسم حلف قبائل حضرموت الى حلف ابناء حضرموت في محاولة لاحتواء المجتمع المدني الذي كان ركيزة اساسية في تحرير ساحل حضرموت من العناصر الارهابية جاء العام 2017، ليحمل خطوة اخرى لبن حبريش  في السياسية ،تم تأسيس “مؤتمر حضرموت الجامع” كمظلة سياسية تهدف إلى توحيد مكونات المجتمع الحضرمي، بما في ذلك القبائل، المجتمع المدني، الأكاديميين، والنساء.

رغم هذا التنوع، استمر الشيخ بن حبريش في السيطرة على القرار داخل المؤتمر، مما أدى إلى انتقادات حول تفرده بالسلطة وتهميشه لبقية المكونات.

التصعيد والتهدئة… وجهان لخطاب متقلب

خلال الأعوام التالية، ظل الخطاب الصادر عن الحلف وشخصية بن حبريش يتراوح بين التصعيد الحاد ضد الحكومة، والدعوة إلى التهدئة والتفاهم، حسب الظروف والمتغيرات السياسية. ففي حين دعا إلى استعادة الثروات و”تحرير القرار الحضرمي”، عاد في مرات أخرى لتهنئة الحكومة على قرارات وُصفت شعبيًا بأنها “شكلية” وغير مؤثرة.

شهدالعام الأخير تصعيدات متكررة من بن حبريش، منها:

•   إنشاء نقاط مسلحة غرب العاصمة ومخيم في هضبة حضرموت يمنع وصول الوقود المنتج محلياً الى كهرباء المحافظة والحكومة في عدن.

وعند عدم الاكتراث للمطالب التي وصفها كثير من النشطاء الحضارمة بانها تحمل باطن لمطالب شخصية قام بخطوات اخرى زعزعت من امن المحافظة ابرزها.

•    إقامة عروض قبلية مسلحة والمطالبة بـ”الحكم الذاتي” في ديسمبر 2024، مع توجيه دعوات للتجنيد.

•    عقد اجتماعات مع القيادات العسكرية والأمنية في فبراير 2025، مؤكدًا على رفع الجاهزية والاستعداد لمواجهة أي تهديدات.

رغم هذه التصعيدات، لم يتنازل بن حبريش عن منصبه كوكيل للمحافظة، مما أثار تساؤلات حول مدى جدية هذه التحركات، وهل هي فعلاً لخدمة حضرموت أم لتحقيق مكاسب شخصية؟
وفي فبراير 2025، صعد مجددًا بتشكيل “قوات حماية حضرموت” بالتزامن مع إعلان وقف تصدير النفط. لكن هذا التصعيد لم يستمر طويلًا، إذ أعقبته زيارات ومشاورات مع مسؤولين سعوديين، أثارت الشكوك حول جدية الخطوات المتخذة ومدى ارتباطها بواقع المطالب الشعبية.

سحب الثقة والانقسامات الداخلية
في مارس 2025، عقد أعضاء رئاسة وقيادات حلف قبائل حضرموت اجتماعًا استثنائيًا، قرروا فيه سحب الثقة من الشيخ عمرو بن حبريش، متهمين إياه بالتفرد بالقرارات المصيرية ومخالفة أهداف ومبادئ الحلف. وأكدوا أن تمثيل حضرموت لا يقتصر على قبيلة أو شخص بعينه، بل يجب أن يشمل كافة رموزها القبلية والمدنية.

أين يقف الحلف اليوم؟

في خضم التوترات التي تعيشها حضرموت اليوم، تبرز الحاجة إلى مراجعة جذرية لتجربة الحلف، ليس فقط ككيان قبلي-سياسي، بل كمؤشر على تداخل الولاءات وتعدد الخطابات.

فشخصية عمرو بن حبريش، بما فيها من تناقضات بين الخطاب والممارسة، تمثل نموذجًا لصراع الهوية السياسية في حضرموت بين منطق المطالب الشعبية ومنطق التمكين الشخصي.

 

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button
en_USEnglish