مقالات الرأي

“سنواجه التحدي بالتحدي”

 قراءة في إشكاليات الحشد والحشد المضاد في حضرموت والوطن

بقلم: مطيع بامزاحم

منذ العام 2011م، والتحشيد لايهدأ في هذا البلد، فالمكونات السياسية من المؤتمر إلى أحزاب اللقاء المشترك، بإصلاحها واشتراكييها وناصرييها ومن دار في فلكهم والحراك الجنوبي من قبلهم، لطالما حشدوا أنصارهم في الشوارع والساحات خلال مراحل متفرقة من تاريخ الصراع الحزبي، المتعدد الأوجه في مطالبه، فتارة يكون سياسيا ومرة حقوقيا وفي أخرى استعراضيا، وذو الوجه الواحد في أهدافه، والمتمثلة في الرغبة الجامحة للوصول إلى سدة الحكم أو المشاركة فيه، ومن ثم السيطرة على مراكز القرار ومقدرات الوطن وثرواته، واستقلال قراره السيادي الذي أصبح بعيد المنال مؤخرا.

التحدي بالتحدي

كان الرئيس علي عبدالله صالح والدائرة المحيطة به، لربما هي أول، من بلورات بشكل واضح فكرة الحشد والحشد المضاد، حين كانت تحشد الجماهير في ميدان السبعين بصنعاء ضد مناويها، وكان الشعار حينها، “سنواجه التحدي بالتحدي”، في إشارة إلى أن الجميع يستطيع حشد الجماهير والأنصار واستعراض قاعدته الشعبية، بغض النظر عن الأساليب التي استخدمت عند ومع كل حشد، وكل من عايش تلك الفترة وكان متابعا جيدا للمشهد، سيفهم جيدا كيف كانت تُملى الساحات وكيف تكتظ الشوارع، وتبعهم في هذا النهج بعد ذلك، جماعة الحوثيين، والتي تُصر على تحشيد أنصارها على مدار العام لأغراض سياسية وطائفية ودينية ووالخ، وجنوبا كذلك، حشد الحراك الجنوبي منذ العام 2007م أنصاره على الدوام بشكل أكثر تنظيما، بعد أن كان عفويا حين بدأ في التسعينات في مدينة المكلا، وهو صاحب قصب السبق في التحشيد يمنيا، ليأتي المجلس الانتقالي في العام 2017م، ويجعل التحشيد من أهم أدواته في الاستعراض، وتأكيد التواجد، ومثله حلف قبائل حضرموت ومؤتمر حضرموت الجامع، عندما كان لحمة واحدة دأب على الحشد منذ عام 2013م، ولا أحد ينسى في حضرموت الهبة الشعبية الحضرمية والزخم الكبير الذي رافقها، وحتى عندما انقسم وانشق، وأصبح طرفا منه تابعا للمقدم عمرو بن حبريش، وطرف آخر معارضا له، دأب كلاهما على حشد الجماهير بين فترة وأخرى، وغيرها من المكونات ذات التوجه السياسي، حتى وأن كانت حشودها قليلة في العدد، كما هو الحال في تيار التحرير والتغيير الذي أعلن عن تشكيله قبل أسابيع ويدور حوله لغط كبير، إلى جانب تلك التجمعات الخجولة التي تقيمها بعض الأحزاب، كحزبي الإصلاح والاشتراكي في الذكرى السنوية للتأسيس، أو في المناسبات الوطنية المختلفة في الصالات المغلقة بدلا عن الساحات، كواقع فرض عليها مؤخرا لأسباب كثيرة ومتعددة، ولو ترك لهما المجال كما كان من قبل، لملؤ الشوارع والساحات هم أيضا.

تجاربهم وتجربتنا

تجارب الحشود تلك في سيرتها الأولى عام 2011م، تأثرت بما حدث حينها في تونس ومصر وسوريا وليبيا وبعض الدول العربية الأخرى التى هبت عليها رياح ماسمى “بالربيع العربي”، لكن تجارب تلك الدول في التحشيد وانزال الجماهير إلى الميادين والساحات كانت مختلفة عن التجربة اليمنية، ففي تونس ومصر كانت فترة المظاهرات والاعتصامات قصيرة، ولبت السلطات حينها مطالبهم على عجل، وكان ذلك تصرفا سليما منهم حينها، حتى لا تنزلق البلد نحو الفوضى العارمة، وتتفكك المؤسسة العسكرية والأمنية، ويحدث الانهيار الاقتصادي الكبير، خصوصا وأنه لم يكن هناك تحشيد مضاد من قبل تلك السلطات على نطاق واسع، وإن حدث حينها فهو تحشيد ضعيف ونفذ على نطاق ضيق، واذا حدث تحشيد في السنوات التي تلت العام 2011م، فقد تم التعامل معه بحزم من قبل السلطات، كما حدث لمعتصمي ميدان رابعة في مصر، أما في ليبيا وسوريا فتفاقمت الأوضاع وخرجت عن السيطرة، سيما عندما حدثت انشقاقات في الجيوش، وبرزت إلى مشهد الصراع تدخلات عسكرية معلنة وأخرى خفية من قبل دول متعددة، ليحسم الصراع بالحديد والنار، وليتحول التحشيد من تجمعات سليمة وصدور عارية، إلى تحشيد الناس في كتائب وسرايا وألوية، تشتبك مع نظيرتها في الجانب المقابل، ولتشتعل حينها حرباً أهلية ضروسا كما حدث في ليبيا وسوريا والسودان.

حالة شاذة

أما الحالة اليمنية فهي شاذة عن كل ماحدث في تلك الدول، لأنها بقيت كالمعلقة، فلا التحشيد السلمي وصل إلى النتيجة المرجوة، ولا التحشيد العسكري حقق مبتغاه، وذلك مرجعه لأسباب كثيرة لعل أبرزها، تعنت السلطات حينها في التعامل الواعي مع المتظاهرين ومن يقودهم، وعدم تغليب مصلحة الوطن العليا على المصالح الشخصية ومصلحة الحزب الحاكم، وغياب التفكير في مآلات الأمن القومي للبلاد وصونه عن التدخلات الخارجية وعن نشوء التنظيمات المسلحة بأنواعها، وعدم حساب حجم الكارثة التي ستحدث في حال انشقاق المؤسسات العسكرية والأمنية والمدنية وووو…الخ، لذلكم تفاقمت الأزمة اليمنية وتعمقت أكثر شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، وتعددت مشاريع الهيمنة والسيطرة، وتشظت المؤسسة العسكرية والأمنية وتناثرت، وتوسعت دائرة التداخلات الإقليمية والدولية وتشعبت، وكلا يغني على ليلاه، وكلا يدعى وصلا بليلى، وليلى لاتقر لهم بذاكا.

التحشيد ليس صعبا

على العموم، فقد أثبتت كل تلك الوقائع التي حدثت على الساحة اليمنية منذ أكثر من عقد من الزمن، أن الجميع دون تميز يستطيع الحشد، حتى تلك المكونات المجتمعية أيضا، فعلى سبيل المثال لا الحصر، لدينا في مدينة المكلا عاصمة حضرموت، تجمع شبابي كبير يحدث في ثاني أيام عيد الفطر السعيد، وفي أيام موسم نجم البلدة السياحي، وتدعوا له مبادرة تسمى لقيا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، هذا التجمع العفوي وغير المدعوم ولا منظم في توفير وسائل النقل والمواصلات ووجبات الأكل، يتوافد إليه الشباب من كل حدب وصوب بالمئات، وهناك تجمعات أخرى ثقافية واجتماعية ودينية ورياضية تمتلئ بها حضرموت، كزيارة شعب نبى الله هود، وزيارة الواسط والشهداء السبعة في الشحر، وختم ليلة 27 من رمضان في مسجد المحضار بتريم، ومطلع المطالع في سيئون، وسباق الهجن، وزواج دمون الجماعي، ونهائي كأس حضرموت من النسخة الأولى إلى الثامنة وووالخ، لذلك فليس بالصعب حشد الناس في هذا البلد، والتحدى الأكبر يكمن في تحقيق الغاية التي تم التحشيد من أجلها والتي فشلت جميع المكونات السياسية الحضرمية واليمنية في تحقيقها على الأقل حتى الآن.

إشكالية كبرى

لهذا كله، ونظرا لطول سنوات الأزمة التي نمر بها، وفي محاولة يائسة للاستفادة من الدروس والعبر التي مرت بنا، فإننا نتأكد بأن سياسة الحشد والحشد المضاد أصبحت إشكالية كبرى، وغير مجدية إطلاقا في الحالة الراهنة، خصوصا في ظل التدهور الاقتصادي المخيف، وانهيار العملة المتزايد، واستشراء الفساد والإهدار للمال العام، وضعف الحكومات المتعاقبة في تحقيق إصلاحات حقيقة وتحسن ملموس، وتراجع الاهتمام الاقليمي والدولي بالملف اليمني، وجب على كل المكونات على الساحة المحلية، التفكير بطرائق أخرى لتحقيق أهدافها الوطنية إن وجدت، على أن تكون أقصر في مدتها، وأسرع في الوصول إلى أهدافها، ونقترح عليها تحويل ملايين الريالات التي تُهدر في كل فعالية، نحو مشاريع الأسر المنتجة، وتعليم وتأهيل الشباب، ودعم المزارعين ورواد الأعمال، واعانة أسر الشهداء والجرحى والأسر الفقيرة والأشد فقرا، وذلكم والله أجدى وانفع.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button
en_USEnglish