حضرموت: صوت العقل أم سموم الفتنة؟!

بقلم: أحمد النهدي
في حضرموت، حيث تتزاحم الأزمات وتتراكم المعاناة، يشتد صراعٌ وجوديٌّ لا يقتصر على الأرض، بل يمتد إلى أعماق الوعي والوجدان. صراعٌ بين دعاة التقارب والإصلاح، وبين قوىً تستغلّ القبيلة والسياسة لزرع بذور الانقسام. وبين هذين التيارين، تقف حضرموت على مفترق طرق، تحدد مسار مستقبلها.
في كل زاوية من زوايا حضرموت، يرتفع صوت المآذن، ليس كدعوةٍ للعبادة فحسب، بل كرمزٍ للحكمة، ونداءٍ للوحدة. خطباء المساجد، لسان حال الشعب، يطالبون بالعمل المشترك لمواجهة الأزمات، مؤكدين أن الحل يكمن في المصارحة والمصالحة، لا في التجاذبات الحزبية أو التحريض القبلي. هذه الأصوات هي طوق النجاة لمحافظةٍ تتآكلها الأزمات، وتعلن بوضوح: وحدتنا خلاصنا، وعملنا الجماعي سبيلنا، والابتعاد عن المزايدات نجاتنا.
في المقابل، يرتفع فحيح الأفاعي، أصواتٌ لا تعبأ إلا بالشقاق، تنشر الكراهية والتنابذ، وترفع رايات الانتماء الضيق، تحت مسميات مختلفة، سواء “حلف قبائل حضرموت” أو “المجلس الانتقالي الجنوبي”. هذه المكونات، رغم اختلاف شعاراتها، تتفق على تغليب الولاءات على المعالجات، وإهدار الفرص في صراعات جانبية، بينما يئن المواطن تحت وطأة الفقر والحرمان. خطابها غالبًا ما يكون عالي النبرة، مليئًا بالتخوين، بعيدًا عن الواقع، لا يقدم حلولًا عملية، بل يزيد الأزمات اشتعالًا بتحويل كل نقاش إلى معركة، وكل اختلاف إلى خصومة.
في النهاية، لا يهم من يعلو صوته، بل من يملك الرؤية الصادقة والنية الخالصة للإصلاح. حضرموت لا تحتاج إلى مزيد من الأعلام أو الولاءات، بل إلى مشروع جامع، تُبنى عليه دولة الخدمات والتنمية. النصر ليس في إقصاء الآخر، بل في تجاوز الذات من أجل الصالح العام.
الوقت ليس حليفًا لأحد، وكل تأخير في لملمة الصفوف هو مكسب إضافي للفوضى. فإما أن ينتصر صوت المآذن، صوت العقل والحكمة، وإما أن تُغرقنا الأفاعي في فوضى عارمة لا تبقي ولا تذر.
حضرموت لا تفتقر إلى الرجال، ولا إلى الأفكار، لكنها تحتاج إلى قرار حاسم: قرار بأن نكون معًا، لا قبائل متناحرة أو مشاريع متصارعة، بل جسدًا واحدًا بروح واحدة. فهل نختار الطريق الصعب والمثمر، أم نستسلم لسموم الأفاعي؟