حول استمرار تمويل عدن بالوقود: الخدمات الأساسية خط أحمر لا يُتجاوز
بقلم د.أحمد العوش
في ضوء البيان الأخير الصادر عن “حلف قبائل حضرموت”، والذي أعلن عن تمديد تقديم المحروقات لمحطة كهرباء بترومسيلة في عدن لمدة أسبوع إضافي بعد انتهاء الفترة المحددة سابقاً (أسبوعين) لبدء تنفيذ مطالب حضرموت المُعلنة من المجلس الرئاسي، تبرز جملة من الملاحظات الجوهرية التي تستدعي الوقوف عندها:
أولاً: الخدمات الأساسية ليست أداة مساومة
يُعتبر استمرار توفير المحروقات للخدمات الحيوية – كهرباءً ومياهً وصحةً ونظافةً – خطاً أحمرً لا يجوز توظيفه لتحقيق مكاسب سياسية أو مجتمعية، حتى وإن كانت تلك المكاسب مُبرَّرة. فالحقوق الأساسية للمواطن ليست موضوعاً للمزايدة أو الضغط، بل هي التزام دستوري وأخلاقي يجب أن تظل بمنأى عن الصراعات. فتعطيل هذه الخدمات أو التلاعب بمسارها يُهدد الاستقرار الاجتماعي مباشرةً، ويُحوِّل المواطن إلى ضحية في معادلة لا ناقة له فيها ولا جمل.
ثانياً: التناقض في التعاطي مع المطالب
في الوقت الذي لم يتراجع فيه المجلس الرئاسي عن التزامه بتنفيذ مطالب حضرموت، يُلاحظ أن حلف القبائل قد اختط طريقاً أحادياً لإدارة الملف، مستبعداً المكونات الحضرمية الأخرى والسلطة المحلية، رغم إعلانه عدم وجود إشكاليات معها. هذا الانزياح عن النهج التشاركي يُضعف فرص نجاح المطالب، ويُحوِّل الحلف من لاعب جامع إلى طرفٍ مُنفرد، بل ويطرح تساؤلات حول دوافع اتهام السلطة المحلية بالتعطيل في حين يُعترف بعدم وجود خلاف جوهري معها.
ثالثاً: حجم المطالب وواقعية الجدول الزمني
لا يُنكر أحد شرعية المطالب التي أقرها المجلس الرئاسي – خاصةً تلك المُرتبطة باستتباب الأمن – لكنّ تعقيداتها الهيكلية وتشعباتها تستدعي خارطة طريق واضحة، تُحدد الأولويات وتوزع المراحل (عاجلة، متوسطة، طويلة الأمد). فالمطالبة بتنفيذها خلال أسبوعين يُجاهل طبيعة المشاريع التنموية التي تحتاج إلى دراسات ميدانية وتخطيط مؤسسي. كان الأجدى توحيد الجهود بين السلطة المحلية والمكونات الحضرمية لتشكيل “جبهة متابعة” فاعلة، تعمل على تطوير آليات تنفيذ واقعية، بعيداً عن الخطابات التعبوية غير المُجدية.
رابعاً: المراقبة ضمن الأطر القانونية
في سياق متصل، يُحذّر من الانزلاق وراء أساليب غير مهنية في مراقبة أداء المؤسسات، كالتشهير عبر تسريبات مرئية أو إعلامية قبل إتمام التحقيقات الرسمية. فالقانون اليمني – كما في المادة (130) من قانون الإجراءات الجزائية، والمادة (256)، وقانون الحق في الحصول على المعلومات رقم (13) لسنة 2012 – يضع ضوابط صارمة لحماية خصوصية الأفراد والمؤسسات، ويجرم التعسف في استخدام الصور أو المعلومات. إن التسرع في نشر اتهامات عبر منصات التواصل ضد مؤسسات حيوية مثل بترومسيلة لا يمس بمصداقيتها فحسب، بل يُعرّض مُروجيها للمساءلة القانونية، خاصةً إذا ثبت تعمُّد الإضرار بسمعتها دون أدلة قضائية مُحكَمة.
التوازن بين الحقوق والمسؤوليات
إن تعقيدات المرحلة تستلزم رؤيةً متوازنةً تجمع بين المطالبة بالحقوق والحفاظ على السلم المجتمعي، وتستند إلى الشراكة بين كل المكونات، لا إلى الاستفراد أو التهديد. فالحلول المستدامة تُبنى بالحوار الرصين، والشفافية القانونية، والابتعاد عن الانزياحات التي تُحوِّل المطالب المشروعة إلى أزمات مُفتعلة. فالأولى للجميع – سلطةً ومكوناتٍ – أن تتعالى عن الصراعات الفرعية، وتعمل يداً واحدة لتحقيق مصلحة المواطن التي يجب أن تظل فوق كل اعتبار.