بقلم عوض الحضرمي
يُكشف التحليل السياسي لخطابات الساسة عن دقة مواقفهم، ومدى شفافية رسائلهم. فبينما تحمل بعض الخطابات غموضاً يُفسّر بأكثر من تأويل، ربما مُشيراً لإعادة تموضع في التحالفات أو إنهاء شراكات، تُجبرنا خطابات أخرى على قراءةٍ متعمقة، وربطها بالحراك الميداني الذي يستمد زخمه من كلماتها وأفكارها، وحتى من حركات المتحدث.
على النقيض من هذا، تُعتبر خطابات الشيخ عمرو بن حبريش، رئيس حلف قبائل حضرموت ومؤتمر حضرموت الجامع، خطاباتٍ باهتة، فقيرةً بالحيوية. فكلمته الأخيرة، بمناسبة ما يُسمّى “يوم حضرموت الوطني”، شحنت بالتناقضات. فالهبة الحضرمية، التي وحدت الحضارم بعد استشهاد الشيخ سعد بن حبريش، تحوّلت في خطابه إلى “هبات” متعددة، ساهمت في تفاقم الانقسامات والخلافات. فقد حاولت القبيلة أن تحلّ محلّ السلطة، مُتجاهلةً إرث حضرموت المدني وتنوعه المجتمعي الذي بدأ يُبدي رفضاً علنياً لهذه “الهبات” التي كانت، وما زالت، مصدراً للثراء لبن حبريش. فقد حاول في كلمته تصويرها كمُنجزٍ حقق العيش الكريم والاستقرار الأمني، متجاهلاً ثورته الأخيرة التي استمرت أربعة أشهر، وعرقلت الحياة العامة وأدخلت المحافظة في دوامةٍ مُفرغة.
يُزعم بن حبريش أن هدف حلف القبائل هو “تحقيق الحكم الذاتي”، لكنّه لم يُعرّف هذا الحكم، مُدركاً استحالة تحقيقه في ظل الصراع الدائر وعدم الاستقرار، ناهيك عن عدم تنسيقه مع محيطه. إنّ ادعاء تفويض الحلف من جميع الحضارم لفرض الحكم الذاتي، يُعدّ تجاوزاً للإرادة الشعبية.
لكنّ أخطر ما في خطاب بن حبريش هو توجيهه “لقواتنا المرابطة في كل أرجاء حضرموت” برفع الجاهزية والتأهب لكل الاحتمالات. فالحلف لا يملك سوى بضعة أطقم ورجال قبائل مسلحين، لا يستطيعون التحرك إلا بموافقة قيادة المنطقة العسكرية أو السلطة المحلية. فمن هي هذه القوات؟ وأين هي؟ وما هو دورها؟ وما هي المهام المُكلّفة بها؟
يُطلق بن حبريش رسائل إلى الداخل والخارج، مُشيراً إلى توجهٍ “يمني” للحلف والمؤتمر، وإلى فضّ ارتباطه بكل ما هو جنوبي. كما أنه – وكعادته – تجنّب ذكر مليشيا الحوثي، رغم أنّها هي من دكت المنشآت النفطية في حضرموت، وركب موجة مُمارسةً الابتزاز السياسي الذي بدأه بن حبريش من الداخل.