في وداع الأستاذ محسن حسين
بقلم: د. سعيد الجريري
أ تدري كيف تكون المهابة؟
وكيف يكون للأستاذ معنى وللأستاذية؟
وكيف يكاد المعلم أن يكون رسولاً؟
وكيف تشعر في طفولتك أنك تلميذ محظوظ؟
إجابات هذه التساؤلات وغيرها تلامس ذاتك الآن إذ تعود بك الذاكرة إلى مطلع السبعينيات، في المدرسة الشرقية “الابتدائية” إذ كان مدرس الحساب رجلاً مهيب الهيئة والإطلالة والصوت والأسلوب في عرض الدرس.
كنا نقف إذ يدخل الصف يلفنا إحساس ما، أدركت لاحقاً أنه الاعتداد بأن يكون من معلمينا الأستاذ محسن حسين الذي كنا نرى معلمينا الآخرين يجلّونه بطريقةٍ ما، أيضاً.
ما زالت صورته بهندامه البسيط الأنيق تشعل في داخلي مهابته الأولى. ومازال صوته الهادئ الدافئ الودود يرن في مسمعي، منذ أول حصة، مروراً باللقاءات الإنسانية التي جمعتني به، بعد أن غادر فضاء التدريس في الديس إلى روتين العمل الإداري في المكلا.
كنا نشعر في طفولتنا بسحر الأستاذ محسن الذي ينسرب فينا كيمياء محبة لمعلم مهيب لا نجرؤ على رفع الصوت في حضرته
في صوته وقار ودفء .. و بحة لطيفة. وفي عينيه كلام كثير مما لا يقال، لكن الرسالة تصل إليك بلا رتوش، لأن الأستاذ محسن حسين من رعيل المعلمين الأوائل الذين يضفون على شرف المهنة شرفاً، وعلى معنى الحصة معنى.
لم نكن نعلم من سيرة الأستاذ حينئذ شيئاً، لكننا بحدس الطفولة كنا ندرك أن الواقف أمامنا، الراقم بالطبشور في السبورة، المصحح التمارين والواجبات المنزلية، كان فيه ما لا يُدرك ولا نجد له تعليلاً، لكنا كنا نشعر بسحره الذي ينسرب فينا، كيمياء محبة لمعلم مهيب، لا نجرؤ على رفع الصوت في حضرته. ثم مضت السنون والأقدار والأعمار لكنا – أو لكني – كلما مر طيف الأستاذ محسن حسين في البال لسبب ما، كان الإحساس بالمهابة والاعتداد به هو المهيمن، وكلما جمعنا به مجلس كان حضوره بالمهابة نفسها فهو المعلم ونحن التلاميذ، مهما تبدلت الصفات.
رحمات واسعات تغشى روح أستاذنا الفاضل محسن حسين الحوثري وأرواح زملائه من ذلك الرعيل الجميل، والعزاء للأهل والأبناء والتلاميذ والمحبين، وستظل سيرته العطرة في الذاكرة معلماً وإدارياً، مر بهدوء وأعطى ما أعطى، ثم غادر بلا ضجيج، لكن بمهابة المعلم الأول.