مقالات الرأي

مشروع الحكم الذاتي لحضرموت..

أداة ابتزاز سياسي بواجهة تنموية

بقلم: المحرر السياسي 

في ظل الواقع السياسي المعقد الذي تمر به اليمن، برز في الآونة الأخيرة مشروع “الحكم الذاتي لحضرموت” الذي يتبناه حلف قبائل حضرموت بقيادة الشيخ عمرو بن حبريش. ورغم محاولات التسويق لهذا المشروع على أنه مبادرة محلية إصلاحية تسعى لتعزيز استقرار المحافظة وتنمية قدراتها، إلا أن القراءة المتأنية لخلفيات المشروع وطريقة طرحه تكشف عن أهداف سياسية ضيقة وأجندة خاصة مرتبطة بتكريس النفوذ القبلي والشخصي، بعيدًا عن المصلحة الوطنية الحقيقية.

أولًا: المشروع كأداة ابتزاز سياسي

لا يمكن فصل توقيت طرح مشروع الحكم الذاتي عن السياق السياسي الحالي، حيث يسعى الشيخ عمرو بن حبريش إلى استخدام فكرة “الحكم الذاتي” كورقة ضغط لابتزاز الشرعية اليمنية، والمجلس الرئاسي، والتحالف العربي، بهدف فرض تغييرات في قيادة المحافظة، بما يخدم مصالح الحلف وقياداته القبلية.

ورغم محاولات بن حبريش إظهار المشروع بأنه “غير موجه ضد أحد”، إلا أن تسويق المشروع إعلاميًا عبر منابر الحلف يتعمد تصوير الحكم الذاتي كمرحلة انتقالية ضمن نظام الجمهورية اليمنية، دون تقديم موقف واضح من سيطرة الحوثيين على صنعاء، مما يعني ضمناً قبولًا باستمرار العاصمة تحت حكم المليشيا، ما ينسف أي ادعاء بتمسك المشروع بالسيادة الوطنية.

ثانيًا: القفز على أولويات الإدارة الذاتية

من غير المنطقي القفز مباشرة إلى مشروع حكم ذاتي بصلاحيات واسعة قبل تحقيق أبسط مقومات الإدارة الذاتية على المستوى المحلي. إذ تعاني حضرموت حاليًا من أزمات خدمية، وفوضى إدارية، وتضارب صلاحيات بين السلطات المحلية والمركزية. وبناءً عليه، فإن أي مشروع يتجاهل إصلاح الإدارة المحلية أولًا، ويذهب إلى مشروع معقد كهذا، لن يكون إلا وسيلة لتحصيل مكاسب سياسية ومالية لفئة محدودة.

ثالثًا: تغييب الإرادة الشعبية

لم تُجرَ حتى الآن أي استطلاعات رأي أو استفتاء شعبي حقيقي لمعرفة موقف أبناء حضرموت من هذا المشروع، بل يتم الاعتماد على بيانات صادرة عن حلف القبائل وبعض المكونات المرتبطة به، في تغييب تام لصوت الشارع الحضرمي وقواه المدنية المستقلة. وهذا يشير إلى أن المشروع لا يعبر عن إرادة شعبية بقدر ما يمثل مصالح نخبة قبلية محدودة.


رابعًا: خطاب مزدوج تجاه الشرعية والتحالف

يتعمد الشيخ بن حبريش استخدام خطاب مزدوج؛ فمن جهة يتظاهر بالولاء للشرعية والتحالف، ومن جهة أخرى يلوّح بفزاعة “الحكم الذاتي” كلما تعثرت مصالحه في المحافظة. هذا السلوك الابتزازي لا يخدم استقرار حضرموت، بل يعمق حالة التوتر بين المكونات المحلية ويفتح الباب أمام أطراف خارجية للعبث بالمحافظة، ويجعل من الصدام الداخلي وشيكا، أقرب من أي وقت مضى.

خاتمة

إن مشروع الحكم الذاتي لحضرموت بصيغته الحالية لا يمكن النظر إليه إلا كمناورة سياسية تستخدم غطاء المطالب التنموية لتكريس هيمنة نخبة قبلية تسعى لتعظيم مكاسبها في مشهد سياسي مرتبك. والأجدر بقيادات حضرموت العمل أولًا على استعادة الإدارة الذاتية المحلية الكاملة، وبناء مؤسسات خدمية فعالة، قبل الانجراف وراء مشاريع ذات طابع شخصي ومصلحي، تحت راية حلف عمرو بن حبريش.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
arArabic