مقالات الرأي

النساء الجنوبيات يصنعن الفرق

بقلم: أوراس عبدالله

شامخاً كما النساء اللواتي حملنه، مرفوعاً كأنما يحرس الوعد.

رغم الدعوات التي سبقت الاحتجاجات بعدم “تسييس” الحدث، خرجت النساء وهنّ يحملن العلم لا كتحد، بل كإيمان.

إيمان بأن المطالبة بالروتي والدواء والكهرباء والماء لا تكون مكتملة إن لم ترتبط بالهوية الجنوبية، فما معنى أن تطالب بالخدمات في وطن لا يُعرف ما هو؟ وما حدوده وتاريخه؟ و لمن يكون؟

ولم الارتباك في أرض لا تنجب خنوعاً؟

المطالب خدماتية بحتة ومع ذلك لا يليق بنا الحياد الجبان، أيعقل أن ننسى الشهداء! وأن تُبتر تضحيات الأمس من مطالب اليوم!

من لا يملك راية لا يملك حقا يُطالَب به، والعَلَمُ قَسَمٌ لا ينسى، وما نطالب به اليوم من كرامة معيشية وشخصية لا ينفصل عن الكرامة الوطنية التي دافع عنها الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم، فلا عدالة بلا ذاكرة ولا خدمات بلا سيادة، ولا قيمة لمطلب بلا أرض تحميه، ولا معنى لصرخة مجردة من الانتماء تطلق في الهواء ثم تموت، ولأن الخبز الذي يُمنح دون كرامة مجرد فتات.

اليوم رُفع العلم لا كتجميل للمنصة والساحة ولا كلون يزين اللافتات، بل كشاهد قبر، وشاهد حق وحرب، وشاهد على أن من يرفع صوت الجياع لابد أن يرفعه تحت راية الشهداء الذين ماتوا ليبقى هذا الصوت ممكنا.

علم الجنوب حملته النساء وهنّ يعرفن أن هذا العلم ليس مجرد قماش، هو كفن الشهداء، وظلُّ الأب الذي لم يعد، هو صرخة أم ما زالت تنتظر القصاص لولدها، ودمعة أخت علقت صور أخيها الشهيد على حائط لا تبلغه الكهرباء.

كل مطلب بسيط من ماء ونور وعيش كريم، إن لم يُرفع في حضن المشروع الوطني، سيظل معلقاً في الهواء، مثل الكهرباء التي لا تصل، والماء الذي لا يأتي، والراتب الذي لا يكفي.

دام علمنا شامخاً كما النساء اللواتي حملنه، مرفوعاً كأنما يحرس الوعد، ويوشوش في أذن المدينة: مادام فيكم من يصرخ بالحق فلن أميل.

دامت رايتنا لا تكسر، لا ينكسها جوع، ولا يسقطها طوابير، ولا يطويها خيبات الخدمات، ولا ينساها أطفال كبروا على الشموع بدلا عن الكهرباء.

* أوراس عبدالله

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
arArabic