مقالات الرأي

فلنختلف ولكن لتبقى حضرموت والنخبة خطًا أحمرًا”

بقلم: سالم بامؤمن

في زمنٍ تتصاعد فيه الأصواتُ المتنافرة، وتتشعب فيه السُبلُ بين الآراء والمواقف، يبقى لنا كحضارم وكيمنيين ثوابتٌ يجب أن تُحفظ من عبث الخلاف، وأن تظلَّ عصيةً على التجاذبات الضيقة. نختلف في الرأي، نتناقش بحدةٍ أحيانًا، ونتباين في الرؤى، لكن تبقى حضرموت رمزًا للتوحد، والنخبة صمام الأمان ، وخطًّا أحمرَ لا يجوز تجاوزه.

فحضرموت ليست مجردَ جغرافيا تمتد من أحضان وادي الوادي إلى شواطئ المكلا، بل هي تاريخٌ يتنفس حضارةً عمرها آلاف السنين. هي الأرض التي حملت مشعلَ العلم والتجارة، وأسست لثقافةٍ فريدةٍ تجمع بين الأصالة والانفتاح. هنا، حيث تتعانق المساجدُ العتيقة مع منازل الطين الشامخة، يتعلم الإنسان أن الاختلاف في الرأي لا يعني تمزيق النسيج الاجتماعي. فالحضرمي، منذ القدم، عرف كيف يختلف مع أخيه في السوق ثم يجلس معه على مائدة واحدة في البيت. هذا التوازن هو سر بقاء حضرموت قلعةً للتعايش.

أما النخبة، فهي ليست فئةً معزولةً عن المجتمع، بل هي مرآةٌ تعكس طموحاته وتاريخه. هؤلاء الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية الحفاظ على الأرض والإنسان في أحلك الظروف، ولا يمكن أن تكون وقودًا لمعارك جانبية. نعم، النقد ضرورةٌ لبناء أي نظام، لكن هناك فرقًا بين النقد البنّاء الذي يُصلح، والتجريح الذي يهدم، ان النخبة الحضرمية، بتراكم خبراتها، هي الضامن لعدم انزلاق الخلافات إلى حروب أهليةٍ داخلية.

كذلك، فإن النخبة ليست حِكرًا على تيارٍ دون آخر، بل هي إطارٌ جامعٌ للجميع، و إن تحويلها إلى ساحة للصراع يُضعف المناعةَ الاجتماعية ويجعل الجميع عرضةً للانهيار.

لنختلف إذن في كيفية إدارة الموارد، وفي أولويات التنمية، وحتى في الرؤى السياسية، لكن لنحذر أن تتحول هذه الاختلافات إلى فتيلٍ يحرق ما تبقى من جذوة وحدة حضرموت والسلم الأهلي فيها. فحضرموت ليست ورقةً للمساومة، والنخبة ليست أداة لبلوغ الأهداف.

إن تاريخنا يعلمنا أن الأمم لا تُبنى إلا بالتعالي فوق الخلافات الصغيرة، واحترام الثوابت الكبيرة. فلنحفظ لهذه الأرض قداستها، ولنمنح للنخبة مكانتها، كي تبقى حضرموتُ والنخبةُ خطًّا أحمرَ لا يمس، وخطًا أخضرَ يُنبِت مستقبلًا يُشرِق فيه الوطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
arArabic