أهم الاخبارتقارير وتحقيقات

كيف تحوّل الحلم الجنوبي إلى واقع؟ خط زمني من 1994 إلى اليوم

خاص – حضرموت نيوز 

على مدى ثلاثة عقود، تشكّلت الإرادة الجنوبية وتطورت من “حالة احتجاج” إلى “مشروع سياسي وأمني” له أدواته وبنيته ومراكزه على الأرض. وما يحدث اليوم في جنوب اليمن لا يمكن قراءته كحدث منفصل، بل كتتويج لتراكمات بدأت منذ ما بعد حرب 1994، مرورًا بالحراك السلمي، ثم المقاومة، ثم بناء المؤسسات والقوات، وصولًا إلى حضور سياسي داخل مؤسسات السلطة وتحوّلات ميدانية واسعة في الشرق والغرب.

المرحلة الأولى : 1994 -1997 | تصحيح مسار الوحدة… إبقاء القضية حيّة

مثّلت حرب 1994 لحظة مفصلية؛ إذ تحوّلت الوحدة عمليًا من شراكة سياسية إلى واقع اختلال في التوازنات، مع تغييرات سياسية وإدارية أثّرت على تمثيل الجنوب وموقعه داخل الدولة.

في هذه البيئة، برز خطاب “تصحيح مسار الوحدة” كحامل معنوي وسياسي منع القضية الجنوبية من الذوبان. لم تكن تلك المرحلة مرحلة قوة تنظيمية بقدر ما كانت مرحلة “حفظ الوعي” وإعادة تماسك الهوية السياسية الجنوبية، كي لا تتحول هزيمة 1994 إلى نهاية للقضية.

الإنجاز الأبرز في هذه المرحلة: إبقاء القضية الجنوبية حيّة في وجدان المجتمع ومنع اندثارها رغم الضغوط السياسية والاجتماعية.

المرحلة الثانية: 1994–2006 | التنظيم المبكر: موج/تاج/ حتم … ومشروع التصالح والتسامح

خلال هذه المرحلة لم تبقِ القضية الجنوبية في إطار الرفض العام فقط، بل بدأت تتحول إلى عمل منظم عبر حركات وهيئات جنوبية في الداخل والخارج، في هذه الفترة برزت تنظيمات مثل موج وتاج كعناوين مبكرة للتعبئة السياسية، خاصة عبر المغتربين وشبكات الدعم، إلى جانب ترسيخ ثقافة التصالح والتسامح لتوحيد الصف الجنوبي وتجاوز الانقسامات السابقة.
وفي السياق ذاته تُذكر حركة حتم (حركة تقرير المصير الجنوبي) كإحدى البدايات التنظيمية التي رفعت مبكرًا شعار تقرير المصير، ما أسهم في تحويل القضية من “حالة” إلى نواة مشروع يتطور تدريجيًا نحو الحراك الشعبي الواسع لاحقًا.
الإنجاز الأبرز: بناء نواة تنظيمية وشبكات دعم (خصوصًا في الشتات) وتجهيز بيئة جنوبية أكثر تماسكًا داخليًا عبر التصالح والتسامح.

المرحلة الثالثة: 2007–2015 | الحراك الجنوبي… إعادة القضية إلى الواجهة

عام 2007 يُعد نقطة التحول الأهم في “الشكل الشعبي” للقضية الجنوبية؛ إذ ظهر الحراك الجنوبي (الحراك السلمي) كحركة احتجاج واسعة أعادت القضية إلى الشارع والإعلام، وربطت مطالب الناس اليومية بمفهوم سياسي أكبر يتعلق بمستقبل الجنوب.

ومع اتساع الحراك، صار من الصعب تجاوز المسألة الجنوبية في أي نقاشات يمنية أو إقليمية؛ فالحراك لم يكتفِ بالتعبئة المحلية، بل أسس لخطاب سياسي وإعلامي أنتج تعاطفًا وتداولًا أوسع، ولفت انتباه دوائر بحثية وحقوقية إلى طبيعة الاحتجاجات والسياق الذي أنتجها.

الإنجاز الأبرز: إعادة القضية الجنوبية إلى الواجهة بقوة، وتوسيع حضورها سياسيًا وإعلاميًا وشعبيًا، وتثبيت كونها ملفًا لا يمكن القفز عليه.

المرحلة الرابعة: 2015 | المقاومة الجنوبية… لحظة الدفاع عن الوجود

في 2015، ومع اجتياح الحوثيين وحلفائهم لمساحات واسعة وامتداد المواجهات إلى الجنوب، دخلت الإرادة الجنوبية طورًا جديدًا: طور المقاومة. وبحسب تقارير ميدانية آنذاك، شهدت عدن معارك انتهت بتقدم قوات/مقاتلين محليين بدعم من التحالف لطرد الحوثيين من المدينة في يوليو 2015، في واحدة من أكبر نكسات الحوثيين خلال تلك المرحلة.

هذه المرحلة أعادت تعريف الجنوب أمام نفسه وأمام الآخرين: من “قضية احتجاج” إلى “قوة تقاتل على الأرض وتمنع السقوط”.
الإنجاز الأبرز: تحرير مدن جنوبية ومنع تمدد الحوثي، وحماية المجتمع من الانهيار الكامل.

المرحلة الخامسة: 2016 | تأسيس القوات والأمن… تثبيت الانتصارات ومكافحة الإرهاب

بعد التحرير، واجه الجنوب تحديًا مركبًا: تثبيت الأمن في بيئة حرب، ومواجهة تهديدات الجماعات المتطرفة، وبناء قوى أمنية أكثر انتظامًا. في هذا السياق تشكلت قوات محلية أبرزها قوات الحزام الأمني التي تأسست عام 2016، ووصفتها تقارير بحثية وحقوقية بأنها قوات تلقت تدريبًا ودعمًا من الإمارات، وشاركت في مهام أمنية ومكافحة الإرهاب.
الجدل حول هذه القوات كان حاضرًا، لكن الثابت أن “مرحلة 2016” مثلت انتقالًا من حالة مقاومة ظرفية إلى بناء أدوات أمنية شبه مؤسسية في مناطق جنوبية متعددة.
الإنجاز الأبرز: تثبيت مكاسب 2015، وتوسيع العمل الأمني ومكافحة الإرهاب، وبناء منظومة أمنية أكثر انتظامًا.

المرحلة السادسة: 2017 | إعلان المجلس الانتقالي… تحويل الإرادة إلى حامل سياسي
في 11 مايو 2017 أُعلن المجلس الانتقالي الجنوبي كإطار سياسي منظم، وانتقل جزء كبير من الزخم من الشارع إلى مؤسسة سياسية تسعى لتمثيل القضية وإدارتها.
أهمية هذه المرحلة أنها حوّلت “الإرادة” إلى “مؤسسة”، ووفّرت قناة تفاوض وصوتًا سياسيًا يُترجم التضحيات والمطالب إلى برنامج سياسي وإداري.

الإنجاز الأبرز: تشكيل حامل سياسي يوحّد الموقف ويؤطر المكاسب ويقودها نحو هدف واضح.

المرحلة السابعة: 2019–2022 | اتفاق الرياض ثم مجلس القيادة… حضور داخل السلطة وتحول في ميزان التأثير

في نوفمبر 2019 وُقّع اتفاق الرياض بهدف إنهاء الصدام داخل المعسكر المناهض للحوثي وتوحيد الجهود، ونصّت وثائقه على ترتيبات سياسية وأمنية وإدارية.

ثم في أبريل 2022 شُكّل مجلس القيادة الرئاسي كهيكل تنفيذي جديد للسلطة المعترف بها دوليًا، بعضويّة تضم ممثلين من بينهم قيادات مرتبطة بالانتقالي، ما مثّل انتقالًا مهمًا: دخول القضية الجنوبية عبر ممثليها إلى مؤسسات القرار الرسمية، وليس البقاء خارجها.
هذه المرحلة لم تُنهِ التناقضات داخل السلطة، لكنها كرّست حقيقة أن الانتقالي بات طرفًا يصعب تجاوزه سياسيًا وميدانيًا.
الإنجاز الأبرز: ترسيخ حضور الانتقالي داخل مؤسسات السلطة (مجلس القيادة والحكومة)، وتثبيت كونه قوة سياسية وعسكرية مؤثرة في مسار المعادلة.

المرحلة الثامنة: 2025 | من المهرة إلى باب المندب… تتويج الإرادة على الأرض
خلال ديسمبر 2025 شهدت الساحة الجنوبية تصعيدًا وتحولات ميدانية كبيرة، بتوسع نفوذ المجلس الانتقالي في محافظات شرقية بينها حضرموت والمهرة، وهذا يعيد ملف “دولة الجنوب” إلى الواجهة بقوة.

الأمم المتحدة دعت حينها إلى “ضبط النفس” بعد هذا التصعيد، في إشارة إلى حساسية التحول وتأثيره على المسار اليمني الأشمل.

بالمعنى السياسي، باتت هذه المرحلة تُقدَّم في الخطاب الجنوبي بوصفها اقترابًا من تحقيق “الحلم”: تأمين الجغرافيا الجنوبية وتعزيز السيطرة الأمنية والعسكرية من المهرة شرقًا حتى باب المندب غربًا، أي تحويل الإرادة إلى “واقع سيطرة وإدارة” لا مجرد مطلب.

الإنجاز الأبرز: الاقتراب من لحظة تتويج المشروع الجنوبي على الأرض عبر توسع النفوذ شرقًا وتعزيز السيطرة عبر الجنوب.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
arArabic