أهم الاخبارتقارير وتحقيقات

حضرموت تحت رحمة “النقاط”: إرث الفوضى الذي أسّس له حلف بن حبريش !

خاص – حضرموت نيوز

لم تعد ظاهرة “التقطّع” ونقاط الجبايات التي انتشرت في حضرموت مجرد تحدٍ لسلطة الدولة أو عبءٍ اقتصادي على المواطنين، بل تحولت إلى فيروس ينهش الجسد القبلي من الداخل، مسبباً انقسامات عميقة وتصدعات تهدد بنية اجتماعية ظلت متماسكة لقرون. وهنا، لعب “حلف قبائل حضرموت” بقيادة عمرو بن حبريش دوراً محورياً في تعميق هذه الانقسامات؛ فبعد أن نجح في بداياته في حشد عدد كبير من القبائل تحت راية المطالبة بحقوق حضرموت، سرعان ما بدأ يتسبب في تفكك هذا الحشد مع تبنيه لأسلوب “التقطّع” وقطع الطرق كوسيلة ضغط، مما دفع الكثير من القبائل والشخصيات الوازنة إلى التململ والانسحاب بهدوء.

تعددت الجبايات .. والنهبُ واحد

لقد تحولت الطرقات إلى شبكة معقدة من “النقاط” التي ترفع شعارات مختلفة، لكنها تمارس هدفاً واحداً: الجباية والابتزاز. فما بدأ كتحركات قبلية تحت لافتة “انتزاع الحقوق” بقيادة حلف عمرو بن حبريش، تحول اليوم إلى ظاهرة فوضوية من النهب المنظم، يمارسها مسلحون قبليون متعددون، مستنسخين تجربة الحلف في فرض الأمر الواقع بقوة السلاح.
لم يعد الأمر مقتصراً على النقاط التي أقامها حلف بن حبريش في الهضبة كأداة ضغط سياسي واقتصادي، بل فُتح الباب على مصراعيه أمام مجموعات قبلية أخرى لإنشاء نقاطها الخاصة. فكل مجموعة تدّعي تمثيل قبيلتها والدفاع عن مصالحها، لكنها في الواقع تمارس الدور نفسه: اعتراض الشاحنات، وفرض إتاوات غير قانونية، وابتزاز الشركات والمواطنين.

حلف بن حبريش وثقافة الفوضى

لقد كرّس حلف بن حبريش، عن قصد أو غير قصد، ثقافة خطيرة مفادها أن القوة هي الطريق الأسرع لتحقيق المكاسب. فتحت شعار “حقوق حضرموت”، وهو مطلب شعبي واسع، تم تبرير أعمال “التقطّع” وقطع الطرقات. واليوم، تستخدم مجموعات قبلية أخرى المنطق نفسه، لكن لأهداف أضيق وأكثر انتهازية، مما حول طرقات حضرموت إلى ما يشبه سوقاً مفتوحة للمساومات المسلحة.
إن أخطر ما أنتجته ظاهرة نقاط الجبايات ليس الفوضى الأمنية فحسب، بل تسميمها للعلاقات داخل الأسرة القبلية الواحدة. لقد تحولت القبيلة من مصدر للأمان الاجتماعي إلى ساحة للصراع بين المصالح والأجيال. وبينما يواصل البعض استخدام اسم القبيلة “كحصان طروادة” لتحقيق مآرب شخصية، يناضل تيار واسع من الحكماء والعقلاء للحفاظ على ما تبقى من شرف القبيلة وقيمها، مدركين أن حضرموت وقبائلها لن تُبنى بالتقطّع والابتزاز، بل بالاحترام وسيادة القانون.

الضحية واحدة: المواطن الحضرمي

وبينما تتعدد الجهات التي تقيم النقاط وتتنوع ولاءاتها، يبقى الضحية واحداً: المواطن الحضرمي. فسائق الشاحنة الذي يغادر المكلا متجهاً إلى الهضبة أو خارج المحافظة، يجد نفسه مضطراً لدفع مبالغ مالية عند كل نقطة. هذه التكاليف الإضافية لا تذهب إلى خزينة الدولة، بل إلى جيوب المسلحين، وتُضاف في النهاية إلى سعر السلعة الذي يدفعه المواطن البسيط.
والأخطر من ذلك هو استهداف شريان الحياة الأساسي، كما حدث مراراً مع قواطر الوقود المخصصة لمحطات الكهرباء. فكل نقطة قبلية ترى في هذه القواطر “غنيمة” ثمينة، واعتراضها ورقة ضغط فعالة، غير آبهة بأن النتيجة هي غرق مدن بأكملها في الظلام، ومعاناة المستشفيات، وشلل الحياة العامة. لقد تحول المواطن إلى رهينة في صراع لا ناقة له فيه ولا جمل.

غياب الدولة وصعود منطق الغابة

إن انتشار هذه النقاط يكشف عن تآكل خطير في هيبة الدولة، فكل نقطة جديدة هي بمثابة إعلان فشل للمؤسسات الرسمية في بسط سيطرتها وحماية مواطنيها. ورغم أن قوات النخبة الحضرمية تقوم بعمليات متفرقة لإزالة بعض هذه النقاط، كما حدث مؤخراً في “الرماض”، إلا أن الظاهرة أعمق من ذلك؛ إنها أشبه بـ”هيدرا” متعددة الرؤوس، كلما قُطع رأسٌ، نبتت رؤوس أخرى في أماكن مختلفة.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
arArabic