ضياع التطعيم بسبب غياب عصا الدولة وخطام البهيمة

بقلم: جعفر ربيع بن عبيدالله*
ونحن على موعد البدء في تنفيذ حملة الشلل من بيت إلى بيت صباح يوم الغد الإثنين 29 سبتمبر أود أن افسر ( لماذا من يمانع في تطعيم أطفاله قد يكون هو السبب لنقل عدوى شلل الأطفال إليهم).
ولكن قبل ذلك… وذات يوم كنت في جدة في زيارة أحد الأقارب في مكان عمله فدخل علينا أحد أصدقائه الحضارم وكعادتنا في التحية والسلام و كيفكم بخير.. الحمدلله .. ومن لهجته استطعت تحديد موقع سكنه وقلت له إيش اخباركم يا آل… قال ومن فين عرفت هذي المناطق
قاله قريبي: هذا فلان مدير التطعيم بوادي حضرموت وأكيد يعرف مناطق حضرموت.
سكت الرجل برهة ثم قال بانفعال (وإيش من تطعيم تجيبونه للزقور.. نحن في حضرموت قبل ثلاثة أشهر ساعة وصلوا تحت البيت طردتهم .. وقلت إن عادنا شفت صورتكم بايقع كلام ثاني).
قلت هذي سهلة… عادك في البلاد تعمل بلاوي ومصائب أكبر من هذي:
بعد ما تفطر الساعة تسع ونص :
تلبس الثوب الأبيض و العمامة
تلبس الجنبية
تأخذ البندقية الآلي
تركب السيارة الشاص أو البكس الجديد
تسرح إلى المدينة
تعكس الخط إن حصلت الفرصة
توقف في وسط السوق مقفل الطريق من أجل مبايعة كيلو تفاح
ولا يهمك لا قانون و لا مرور و لا دولة.
اتحداك هنا تعمل مثل ذلك أو فقط لا تربط حزام الأمان ( تقدر تعملها ؟؟؟؟؟).
وأطفالك تطعمهم غصب عنك، ولا تنزل حرف.
سكت فترة ثم قال (صدقت لبوك الجنة هنا بايخطموني من نخرتي مثل البهيمة).
قلت له هنا الفرق نحن محتاجين فقط من عصا الدولة وخطام البهيمة، حتى من أجل الحفاظ على صحة أولادنا، وهذا ما افتقدناه في مجتمعنا.
أصبحنا نستغل انفلات النظام والقانون حتى ولو كان نتيجة ذلك إصابة أولادنا بالإمراض.
نعود لمسألة كيف يمكن للأب أن يوصل عدوى الشلل لأبنه (دون أن يعلم).
في عام 2005 وما قبلها أشرف العالم فعلياً على استئصال مرض شلل الأطفال، حتى ان الحالات التي سجلت عالمياً في أحد السنوات 17 حالة فقط. في تلك الفترة ظهرت ممانعة شديدة للتطعيم بحجة أنه مؤامرة من النصارى واليهود، وظهرت حالات شلل أطفال كثيرة في نيجيريا وانتقلت العدوى إلى تشاد ومن تشاد إلى السودان، وبعد ذلك ظهرت بعد عيد الأضحى) في اليمن والعديد من دول العالم (في وقت متزامن) و بعد تتبع السلالة الجينية للفيروس اتضح أنه انتقل بعد اختلاط الحجاج السودانيين و التشاديين والنيجرين مع باقي الحجاج وبدورهم نقلوه إلى بلدانهم ولم تظهر أي حالة في السعودية (ومن المعروف أن غالبية الحجاج هم من كبار السن، وأن نسبة الأطفال ضئيلة جدا).
في بلادنا ظهرت الحالات أولاً في محافظة الحديدة وبعدها مباشرة ظهرت في وادي حضرموت (في مديرية شبام اصيبت 17 حالة توفي منها 4 حالات)، وانتقلت الحالات عبر سائقي النقل الذين ينقلون البضائع حينها من الحديدة إلى باقي مناطق اليمن.. ومن المؤكد أن حالات كثيرة سجلت في باقي المحافظات. وتم في عام 2005 ميلادية تنفيذ 7 جولات ممتالية من التطعيم من منزل إلى منزل وتم القضاء على الفيروس المسبب.
خلاصة الأمر أن الفيروس، ينتقل عبر الكبار و يكون تأثيره الأشد على الأطفال دون الخامسة عشر من العمر.
ومن أجل ذلك يتم تطعيم كل المعتمرين والحجاج في منافذ المملكة وخاصة الوافدين، من البلدان التي فيها التغطية باللقاحات ضعيفة مثل بلادنا. ويتم ذلك ليس خوفاً منهم من أن ينقلوا العدوى إلى الى المملكة (فالحمد لله السعودية من البلدان التي تتمتع بتغطية تطعيم مرتفعة حتى أن انه لم تسجل أي حالة في المملكة عام 20025م مثلما اسلفت) ولكن يتم التطعيم من أجل رفع مناعة المعتمر أو الحاج ( الكبير ) حتى لا يلقط الفيروس، و يعود به إلى بلاده ويصبح مصدر عدوى وتكون شعائر الحج والعمرة وسيلة لنقل العدوى لبقية أطفال المسلمين.
لاحظوا صورتين لملصقين اشعاراً عن حملات تطعيم في السعودية الأول من عام 1435هـ والثاني في شهر فبراير هذا العام.. وهذا يعني أن الحملات موجودة ومستمرة وتنفذ في السعودية، ولكن دون ضجيج.
فهم لا يحتاجون للضجيج و الإعلام طالما أن عصا الدولة على الكل وخطام البهيمة في انتظار من يهمل حقوق المجتمع وحقوق الطفل خاصة.
ستبداء الحملة غدا الإثنين ولمدة ثلاثة أيام.
احملوهم للتطعيم، وهم في عافية و يضحكون حتى لا تحملوهم معاقين طول عمرهم، و حتى يستطيعون حملكم إذا احتجتم من ذلك في شيخوختكم (فالبر سلف .. وما قدمته غنمته).
*مدير مكتب التحصين – حضرموت الوادي والصحراء.