أهم الاخبارتقارير وتحقيقات

“سفينة حضرموت”.. قصة نجاة في بحر السياسة المضطرب

خاص – حضرموت نيوز

في قلب العاصفة التي تعصف باليمن، تقف حضرموت شامخة، تروي قصة فريدة عن الصمود في وجه المستحيل. ليست مجرد حكاية عن محافظة تواجه تحديات، بل هي ملحمة عن قيادة حكيمة وشعب صلب قررا معًا التمسك بسفينة الدولة في خضم أمواج السياسة والاقتصاد المتلاطمة.

كل شيء تغير في أكتوبر 2022. عندما استهدفت ميليشيات الحوثي ميناء الضبة، لم يتوقف تصدير النفط فحسب، بل توقف شريان الحياة الذي اعتمدت عليه المحافظة. كانت تلك اللحظة التي كان يمكن أن تكون الضربة القاضية، لكنها تحولت، بحكمة نادرة، إلى نقطة انطلاق جديدة.

من قلب الأزمة.. يولد الأمل

أدركت قيادة المحافظة، وعلى رأسها المحافظ مبخوت بن ماضي، أن زمن الاعتماد على “الذهب الأسود” قد ولى. فكان القرار جريئًا واستراتيجيًا: بناء “وحدة إنتاج المازوت” بالشراكة مع شركة “بترومسيلة”. لم يكن هذا مجرد مشروع، بل كان إعلان استقلال اقتصادي، خطوة شجاعة ستوفر على البلاد ملايين الدولارات وتؤسس لمستقبل لا يعتمد على مصدر واحد للدخل. لقد كانت رسالة واضحة: حضرموت لا تنتظر الحلول، بل تصنعها.

ثبات في وجه العواصف

قاد المحافظ بن ماضي “سفينة حضرموت” ببراعة وسط عواصف سياسية هوجاء وضغوط لم تهدأ. في وقت احتدم فيه الصراع على النفوذ، وقف سدًا منيعًا، محافظًا على استقلالية القرار الحضرمي ورافضًا أن تتحول مؤسسات الدولة إلى أدوات في أيدي أصحاب المشاريع الصغيرة، سواء كانت قبلية أو مناطقية. لقد أثبت هو وفريقه أن الولاء للدولة والمواطن، لا للمصالح الضيقة التي عفا عليها الزمن في عصر الذكاء الاصطناعي والعولمة.

الدولة أولاً.. لا صوت يعلو فوق صوت المؤسسات

كان الخيار واضحًا، طريق الدولة لا طريق القبيلة. إذ رفضت قيادة حضرموت بشكل قاطع الخلط بين العمل المؤسسي والانتماءات الشخصية. وبدلاً من ذلك، عمل المحافظ على إعادة الهيبة لمؤسسات الدولة، مانحًا إياها الثقة والدعم لتمارس دورها بشفافية وقوة. والنتيجة؟ بدأت الثقة تعود بين المواطن والإدارة المحلية، وبدأت عجلة الدولة تدور من جديد، مدفوعة بدعم مجتمعي نابع من الصدق في الأداء وتحمل المسؤولية.

مشاريع بحجم الطموح

لم تكتفِ حضرموت بالصمود، بل انطلقت نحو المستقبل بمشاريع عملاقة ترسم ملامح الغد، مثل المرحلة الثانية من مشروع الخور، ووحدة إنتاج المازوت، والخطوط الدائرية لمدينة المكلا. هذه ليست مجرد بنى تحتية، بل هي محركات للاقتصاد، ومصانع لفرص العمل، ورسائل أمل بأن حضرموت تبني مستقبلها بيدها.

بين مطامع الخارج.. وطموحات الداخل

هذا النجاح اللافت جعل حضرموت محط أنظار الكثيرين، فواحة الاستقرار دائمًا ما تكون مغرية في صحراء التوترات. لكن قيادة المحافظة، حتى هذه اللحظة، نجحت في الحفاظ على توازن دقيق، تتجنب الصدامات وتصد الهجمات، وتثبت أن حضرموت هي “عمود بيت الوطن” الذي لا يمكن أن يميل.

في النهاية، ما قدمته قيادة حضرموت يتجاوز السياسة اليومية، إنه درس في القيادة والشجاعة، وإثبات للعالم أن قيمة حضرموت ليست في عدد براميل النفط التي تنتجها، بل في كونها ضمانة للتماسك الوطني في زمن التشرذم، وركيزة للاستقرار، ونموذجًا ملهمًا للحكم الرشيد الذي يمكن أن يُبنى عليه مستقبل اليمن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
arArabic