حضرموت بين السياسي والثقافي

بقلم: د. أحمد باحارثة
دخلت حضرموت عقد الستينيات من القرن المنصرم وهي في اسوأ حالاتها سياسياً فهي ما بين سلطان معلول ومجلس مشلول وأجنبي مرذول، في وقت كانت حضرموت تشهد وضعا ثقافيا مزدهرا في شقيه التعليمي والصحافي، لكن لرداءة المشهد السياسي لم تستفد البلاد من ذلك الازدهار حتى انتهت إلى السقوط الحتمي.
ففي الجانب الصحافي كان كبار مثقفي تلك المرحلة يرصدون الخلل في التشكيلة السياسية وسلوكها المعوج وتكتب عنه بالتشخيص ووضع المعالجات والتحذير من سوء المآلات، لكن آذان النخبة الحاكمة كانت صماء عنها ومتجاهلة لها، فبقيت على على جمودها واعوجاجها متكئة على حماية الحليف الإنجليزي.
وفي الجانب التعليمي فإن العقدين الأربعينيات والخمسينيات أفرزت جيلا من الكفاءات الحضرمية انصدمت من الجمود والانغلاق السياسي في بلدها دون أن يسمح بأن يكون لها دور في التأثير مما جعلها تتطلع لحلحلة سياسية من خارج حضرموت وصادف ذلك أن التعليم الذي تلقوه خال تماما من أي مادة عن وطنهم الحضرمي.. فتلقفتهم بسهولة مكونات سياسية من الجوار القريب منهم.
ومن ثم فإن الشلة السياسية الحاكمة والجامدة من السلطان وتوابعه مع تجاهلها لأصوات العقلاء وغفلتها عن تعزيز الولاء في المحتوى التعليمي لأبناء البلاد وفي محتوى العقيدة العسكرية لما كان يسمى بجيش البادية انتهى أمرها بالسقوط على يد هاتين الفئتين.
وهي لم تجمد في سلوكها السياسي المحلي فقط بل جمدت عن مواكبة الحراك السياسي في جوارها بدءاً من سقوط الحكم الوراثي في صنعاء ثم التطور السياسي في الجنوب باتحاد الكيانات العشائرية المماثلة لها، فلا هي صنعت اتحادا مماثلاً مناظرا ولا هي انضمت إلى الاتحاد القائم.
وهكذا ظل المشهد السياسي الحضرمي جامداً في مجموعة سياسية غبية لا ترعى سوى مصالحها الذاتية مستندة لحماية الحليف الإنجليزي فلا استمعت لكتابات المثقفين العقلاء ولا حصنت الأكفاء أو تشركهم في القرار السياسي الطامح للتطوير والتغيير ولا ضمنت الولاء العسكري لجيشها الذي يستلم أفراده مصروفهم من الحليف.. وبذلك صارت الأجواء بحضرموت مغلفة بالتربص والقنوط مما عجل بالانهيار والسقوط.. وما زالت الحكاية مستمرة.