مقالات الرأي

عدن تستعيد أنفاسها… مشاهد من رحلة التعافي في خطة الـ100 يوم

بقلم: د. احمد بن اسحاق

منذ أن انطلقت خطة الـ100 يوم، والمدينة التي أثقلتها الجراح تفتح عينيها كل صباح على مشهد جديد من مشاهد التعافي. عدن، التي طال حزنها واحتجبت ابتسامتها، بدأت ملامح وجهها تستعيد دفء الحياة، وكأنها تُغسل من غبار الإهمال وملوحة الفساد، لتنهض بخطوات ثابتة نحو مكانتها التي تستحقها بين مدن العالم.

كان صباح اليوم مختلفًا؛ مشاعل مصفاة عدن عادت لتتوهج بعد توقف دام عقدًا كاملًا. لم يكن المشهد مجرد عودة آلات صدئة للدوران، بل كان وقفًا لنزيف شريان الاقتصاد الذي ظل يستنزف المليارات في استيراد الوقود، ويترك مصير المدينة تحت رحمة تجار جشعين.

صحيح أن الإنتاج بدأ بطاقة 6 آلاف برميل يوميًا كمرحلة أولى، لكنه بدا كنبضات قلب تعود للانتظام، وكأن المدينة تقول للعالم: الإرادة إذا تجسدت تحولت إلى إنجاز.

وفي مشهد آخر، أصدرت هيئة الأراضي قرارها بإلغاء عقود الاستثمارات الوهمية ومنحها لمستثمرين جادين. كان ذلك بمثابة فتح الأبواب لنوارس الوطن المهاجرة، لتجد في أرضها حضنًا مرحبًا وفرصًا جديدة تبني بها الاقتصاد، وتمنح الشباب أفقًا أوسع للعمل والحياة الكريمة.

لم تكتف الخطة بإحياء المصانع وتحريك الاستثمارات، بل مدّت يدها إلى أسواق العملة المضطربة. فقد جاء قرار مجلس الوزراء بحظر التعامل بالعملات الأجنبية كخطوة جريئة لاستعادة الهوية النقدية وحماية قيمة الريال، تلاه تحرك البنك المركزي لإيقاف 70 مضاربًا بالعملة، في مشهد يشبه طرد قطيع من الذئاب المسعورة التي اعتاشت طويلًا على أوجاع الناس.

أما ضبط الأسواق، تلك الساحة التي طالما كانت مسرحًا لجشع المحتكرين، فقد شهدت حملات رقابية مشددة، وحملات شعبية لمقاطعة المتلاعبين بالأسعار، مع تنظيم ضوابط الاستيراد وتداول العملة بعيدًا عن المضاربة، في خطوة أعادت شريعة الرحمة بدل شريعة الغاب.

وفي محور تعزيز الموارد، تقرر إنشاء مصفاة جديدة في حضرموت لتقليل الاعتماد على الاستيراد، إلى جانب تحركات لزيادة الإنتاج المحلي، ومشاريع لتحسين البنية التحتية للطاقة والمياه. كما جاء إلزام الشركة اليمنية للغاز بخفض أسعارها كنسمة راحة لمئات الآلاف من الأسر التي أنهكتها تكاليف المعيشة وانقطاعات الكهرباء.

تلك المشاهد المتفرقة، حين تجتمع، ترسم لوحة واحدة عنوانها: “الوطن يتعافى”. لكنها تحمل أيضًا رسالة واضحة: التعافي ليس قرارًا حكوميًا فحسب، بل هو شراكة بين الدولة وشعبها، بين التخطيط والعمل، بين الإرادة والرقابة.

فخطة الإنقاذ ليست عصا سحرية، لكنها بذرة وُضعت في أرض خصبة، ستثمر إن سُقيت بالعزيمة وحُميت من عواصف الإهمال. وإذا كان الماضي قد جرح عدن والمكلا وتعز وغيرها من مدن اليمن، فإن الحاضر يكتب أول سطور الشفاء، والمستقبل ينتظر أن نكمل الحكاية… حكاية وطن يستعيد كرامته واقتصاده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
arArabic