
خاص- حضرموت نيوز
يُعد الإعلان عن جاهزية “اللواء الأول” التابع لقوات حماية حضرموت بقيادة عمرو بن حبريش تطورا عسكريا خطيرا. فالخطوة قوبلت بردود افعال غاضبة وفتحت الباب أمام تساؤلات جوهرية حول شرعية القرار، وتداعياته على الاستقرار المحلي ومستقبل الكيان المتمرد، في مشهد يعكس تصدعًا داخليًا عميقًا، تتصاعد فيه الانتقادات من الأوساط القبلية والرسمية، ملقيةً بظلالها على استقرار المنطقة ومستقبل “حلف حضرموت” ذاته، وسط مخاوف من تحويله إلى أداة جيوسياسية أو فريسة للمصالح الضيقة.
أزمة قيادة وثقة داخلية
في صلب هذه الانتقادات تقف اتهامات مباشرة للقيادة الحالية بإدارة فردية للقرار، وتهميش رموز وفعاليات قبلية بارزة، ما أدى إلى تآكل الثقة في آليات اتخاذ القرار داخل الحلف، حيث يرى منتقدو “عمرو بن حبريش” أن انفراده بالقرارات الاستراتيجية، خاصة العسكرية منها، دون الرجوع إلى التشاور المؤسسي مع المكونات القبلية، أضعف شرعية الحلف وأثار حفيظة العديد من القبائل التي ترى نفسها مُقصاة من المشهد.
وفي هذا السياق، عبّر الشيخ فرج ناجي بن طالب عن هذه المخاوف في تصريحاته اللاذعة ضد الخلف ، والتي اكد فيها أن “الشرعية الحقيقية لا تُستمد من الأفراد، بل من العمل الجماعي والتشاور الشامل”، ومشيرًا إلى أن استمرار هذا النهج الفردي يكرّس النفوذ الشخصي داخل الحلف.
شبهات فساد
من جانب آخر، تبرز شكاوى متعددة بشأن شبهات فساد تتعلق بتمويل معسكرات التجنيد التي يُعتقد أن بعضها مدعوم من الخارج، والتي يتخوف البعض من تحوّلها إلى اداة ضغط جيوسياسي ، بدلًا من أن تكون ذراعًا لحماية مصالح حضرموت.
ومؤخرا صرّح المهندس عبدالله حسين أحمد بن طالب، رئيس لجنة المحروقات في الحلف، أن هذه الممارسات تُنذر بتحويل الحلف عن هدفه الأساسي المتمثل في الدفاع عن حضرموت وتنميتها، وترافقت هذه المخاوف مع اتهامات بوجود فساد إداري ومالي، تشمل تورط بعض الأعضاء في نهب موارد حضرموت أو إساءة استخدامها، ما عمّق أزمة الثقة بين القيادة والمكونات القبلية، وأدى إلى تآكل شرعية الحلف كمظلة تمثل أبناء المحافظة.
مخاطر أمنية
في البُعد الأمني، تُطرح تساؤلات جدية حول الآثار المحتملة لتشكيل قوات عسكرية خارج الأطر المؤسسية الرسمية للدولة. فقد أبدت اللجنة الأمنية في المحافظة قلقها من أن يؤدي تسليح مجموعات قبلية إلى زعزعة التوازنات الدقيقة التي حافظت على استقرار نسبي في حضرموت طوال السنوات الماضية. كما حذّرت من احتمال انزلاق الوضع إلى صراعات قبلية مسلحة أو تمكين فصائل ذات أجندات ضيقة من فرض نفوذها على حساب المصلحة العامة.
وتُعيد اللجنة الأمنية التأكيد على أن الدولة وحدها المخوّلة قانونيًا بإنشاء القوات المسلحة، وأن تجاوز هذا الإطار يعرض الأمن المجتمعي للخطر ويقوض سيادة القانون.
مشهد معقّد
ويعكس المشهد الحضرمي الراهن تداخلًا معقدًا بين الديناميات القبلية والعسكرية والسياسية. فالحلف الذي تأسس كجسم جامع للدفاع عن مصالح حضرموت يواجه اليوم تحديات وجودية، ليس فقط بفعل الخلافات الداخلية، وإنما أيضًا بسبب تصاعد الاستقطاب بين مكوناته، وتراجع قدرته على توحيد الصف القبلي خلف رؤية واضحة وشفافة، فتهميش قيادات قبلية محورية، وتغليب المصالح الشخصية أو الفئوية على القرار الجماعي، يُضعف موقع الحلف كطرف فاعل في المعادلة الوطنية، ويهدد بتقويض دوره التاريخي في تمثيل أبناء حضرموت.
مسارات المستقبل
في ظل هذا الواقع المتأزم، تقف قيادة الحلف ومكوناته أمام خيارين متباينين، يتمثل الأول، في المضي في مسار التصعيد، حيث قد يؤدي استمرار الانقسام ورفض بعض المكونات لشرعية القوات الجديدة إلى تفاقم الأوضاع، وربما نشوب مواجهات مسلحة داخلية تعمق حالة الفوضى وتزيد من هشاشة النسيج الاجتماعي في المحافظة.
فيما يكمن الخيار الثاني، في التهدئة والإصلاح، من خلال إطلاق حوار تشاركي جاد يشمل مشايخ القبائل، وممثلي المجتمع المدني، والحكومة المحلية، بهدف إعادة هيكلة الحلف على أسس مؤسسية عادلة، وتعزيز الشفافية والمساءلة في اتخاذ القرار وتوزيع الموارد.
ويرى مراقبون أن نجاح المسار الثاني مرهون بوجود إرادة سياسية حقيقية لدى قيادة الحلف للقيام بإصلاحات جذرية تُعالج الاختلالات القائمة، وتضمن تمثيلًا عادلًا لجميع المكونات، بما يحفظ وحدة حضرموت ويُجنبها سيناريوهات الفوضى أو الانقسام.
مغامرات
إن التوازنات القبلية والاجتماعية في حضرموت لا تحتمل مغامرات عسكرية أو انقسامات داخلية تُضعف تماسكها وتُهيئ الأرض لتدخلات خارجية. وعلى قيادة الحلف، إن أرادت استعادة ثقة مكوناته، أن تعود إلى نهج العمل الجماعي والمؤسسي، وأن تنفتح على الجميع دون إقصاء أو تهميش، لتضمن مستقبلًا أكثر استقرارًا وعدالة لأبناء حضرموت.