مقالات الرأي

حين يبدأ الشر بفكرة… لا بدم

بقلم:  محمد باصالح

يقال إنّ الشر لا يبدأ بقطرة دم، بل بفكرةٍ ضالّة تُترك بلا مراجعة أو محاسبة. فقبل أن تتحول الكراهية إلى فعل، وقبل أن تصبح الفوضى واقعًا، تكون هناك بذرة صغيرة تُغرس في العقول، وتكبر بهدوء في غياب الوعي والنقد.
والفكرة الخاطئة لا تحتاج إلى كثير من الإقناع لتجد من يلتقطها؛ يكفي أن تُلقى في بيئة جاهزة لتصديق كل شيء، أو متعطّشة لصوت يبرّر مخاوفها وغضبها.
وهنا، لا يعود الخطر في قوة الفكرة نفسها، بل في الجمهور الذي يستسلم دون سؤال.

يخبرنا التاريخ أن الشر لا ينتصر لأنه أذكى، بل لأنه يجد جمهورًا جاهلًا يُغذّيه، وجماعة تُصفّق قبل أن تفكّر، وتُردّد قبل أن تفهم. وفي كل مرة يغيب فيها الوعي الجمعي، تتحول الفكرة الصغيرة إلى سلاح، ويتحوّل الصوت الفردي إلى جوقة كبيرة تعيد إنتاج الخطأ وتبريره.

لذلك، فإن مواجهة الشر لا تبدأ بإطفاء الحرائق حين تشتعل، بل بتفكيك الأفكار التي تشعلها.. تبدأ بترسيخ ثقافة النقد والسؤال، وبناء مجتمع لا يكتفي بالسماع، بل يُدقّق، ولا يكتفي بالتصفيق، بل يُحاسب.

وهذه رسالة نوجّهها إلى كل دعوة تسعى لتبنّي موقف أو فكرة قد تُوقع بحضرموت، وتدمّر حاضرها، وتسهم في تفكيك النخبة الحضرمية.
فالنخبة الحضرمية تظل صمّام الأمان لحضرموت؛ هم حماة الديار ودرعها الحصين. والحفاظ على حضرموت يتطلب تحكيم العقل، وعدم تأييد أي توافق يقود إلى مساندة تشكيلات عسكرية غير نظامية داخل المحافظة، أو تبنّي مواقف قد تخلق مواجهة داخلية بين أبنائها.

اليوم يتباكى الجميع، ومنهم عضو مجلس القيادة الرئاسي فرج البحسني، بعد أن أسهم في تشقّق البيت الحضرمي، وأعاد إنتاج العصبية القبلية، وتصدر مواقف التشويش والتشويه للسلطة، وتحالف مع القبيلة على حساب العقيدة العسكرية والقسم الوطني، الذي لا يزال هو ومن معه يمارسون النهج ذاته، متناسين أنه كان بالأمس محافظًا لحضرموت، وقد أُهدرت في عهده موارد المحافظة، وهي لا تزال معلّقة حتى اليوم ومسجّلة دون تصفية في وزارة المالية. وما يدري أن التفريط في المال العام والتصرّف غير القانوني فيه لا يسقط بالتقادم، ولا يُعفي مرتكبه من العقوبة، ولا تحميه حصانة المنصب.

وأي وجه يقابل به عمرو بن حبريش القبائل اليوم، وهو من قطع بالأمس إمدادات الكهرباء عنها وتسبّب في تعطيل عجلة التنمية في المحافظة، وساق الشر إلى حضرموت بإرادته الحرة، مدفوعًا بمن أوصلوه إلى قمة الانتقام؟

وقد قيل: الطفل المجروح حين يكبر إلى عرش قومه… يحكم بروحه المنكسرة لا بعقله. وهذه هي الروح التي تتحكم اليوم في إرادة بن حبريش، وتؤثر على اتخاذه قرارات غير منطقية، وقد أطلق على نفسه “القائد الأعلى”، وهذا في حد ذاته مثال واضح على انفصام في الشخصية.

وكثير منهم كان تفكيره هكذا وتصوراته للوصول إلى غاياته قائمة على عقلية الانتهازية، التي تبحث عن مصالحها الشخصية بأقل التكاليف الممكنة ولو كان ذلك على حساب الآخرين، مهما اختلفت الوسائل وازدادت كلفتها البشرية.
مبدأهم في الحياة بسيط: “البقاء للأقوى”. فلا تهمهم العواقب، سواء كانت اختلالات أمنية مدمّرة لقوات النخبة الحضرمية أو اجتماعية تؤدي إلى إحداث صدع في النسيج الاجتماعي الحضرمي. فهم لا يرون الأفعال السلبية الخارجة عن النظام والقانون أخطاءً أو إخلالًا بالقيم والمبادئ والأعراف الحضرمية، بل يرونها مجرد أدوات للوصول لغاياتهم.

وهكذا هم في كل مواجهة أو صراع؛ لا يرون فيها فرصة للتعلم أو محطة للتنازل عن مصالحهم الشخصية حقنًا للدماء.
فلماذا لا يرفعون النقاط العسكرية المستحدثة من قِبلهم؟
ولماذا لا يكفون عن تصرفاتهم المقلقة للأمن والسكينة والطمأنينة والاستقرار؟

لن يفعلوا ذلك؛ لأنهم يرون تلك الممارسات مجالًا للتفوق الشخصي على حساب الآخرين، ويسوّقون أنفسهم بأنهم “المنقذون الملهمون” لهذا الشعب، بالكذب والخداع.

الوقت في عمر الدول ثروة، واستثماره هو مرتكز نجاحها. والدول تمرض ولا تموت، وتتعافى باستئصال أي ورم خبيث اعتلى جسدها. وتتعدد الوسائل لإنقاذ الجسد، لكن يظل الأساس قائمًا: التعافي مرتبط بمعادلة الدولة المعروفة… رفع حجم الإيرادات والبحث عنها، وتقليل النفقات والسيطرة على صرفها.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
arArabic