مقالات الرأي

روائح الزمان تمباك ورماد وبركان

بقلم: عوض سالم ربيع

قد يشي العنوان، باسم مجموعة قصصية أو فيلم هندي أو “تمباك باراس”، لكنه في الأساس نَفَسُ التَّنَّار حين يدعوك ضبضب أو جبل شمسان.
رماد التنار لا يبرح فوق بانيت السيارة، ولا بين خطوط البلاط في الصالة، ولا يعلم في الكف قد لي زمن من ريحة النيل، ولا يلشع في الوعن لي مصفوف في الصالة تقاسمنه لابسات الطان والكولي.
رماد التنار بلسم جراحي، فهو يوقف نزيف الجرح، وعيب دفنش في الرماد يا بساتين الرمادة. هذا الرماد يستاهل، هذا الحلا يستاهل، فهو خير معين لكسر خرمة عجائز القرى أثناء التسويك بالحراقة.

عرفت الرماد، لكن رماد هذا الجوش ثانٍ، فقد مات النبيل ثابت السعدي في يوم الرماد 24 نوفمبر 2025، وإن شئتم فقولوا: يوم الرمادة.
تركنا الرجل يموت وحيدًا بعد أن ذررنا عليه قليلًا أو كثيرًا من رماد بركان إثيوبيا. كان الأجدر بنا، ونحن المثقفين في الأرض، أدعياء الإبداع، أن نمسح دمعة حَرَّى من عين ثابت، أن نربت على كتفه، أن نلثم يده.
لم يحدث شيء من هذا. كل ما في الأمر وقفتنا معه في غرفة الإنعاش، ووقفة… يا لها والله من وقفة!

ثابت السعدي كان صرحًا من إبداع، فهوى ثابت وأصله ثابتًا. رحمه الله، فهو نسغٌ من أنساغ عبدالله عمر سواد، وأحمد محمد بكير، وسعيد فرج باحريز، والذين تجاهلوا أو تناسوا أو تعامسوا عن هؤلاء المبدعين. يا علّ رماد إثيوبيا في عيونهم… وعاده شوي.

رماد التنار كان أنقى من كل رماد، فيه ذقت قهوة أمي، وخبز أمي، ولمسة أمي. ومع هذا توكَّل العمر السنين، وأضحى التنار نسيًا منسيًا هو ورماده.
وخلته بيد أن الرماد الذي لم نعرف له من قبل سميًّا هو هذا الغبار المتطاير… رماد التعامس والتجاهل. مات منه الكسائي وفي نفسه شيء من “حتى”، ومات منه الفرزدق وفي نفسه شيء من “كم”، ومات منه ثابت السعدي بعد أن أطلق صيحته المدوية: توكَّل العمر السنين!

سيدي ثابت السعدي،
قد أكلت قبلك العمرَ السنينَ يا داؤد الفرحان،
نحن يا ثابت في بلدٍ طالعٍ… بلدٍ نازل.

والسلام لقلبك حيًّا وميتًا.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
arArabic