الحضارم والقات: خطوات الضياع 3
بقلم : محمد أحمد بالفخر
استمرّت حضرموت بعيدة عن القات بحكم القانون حتى قيام الوحدة اليمنية في مايو 1990م،
وحينئذٍ رُمِيَ بعرض الحائط ذلك الاتفاق المبرم بين الحزبين الحاكمين اللذين وقّعا اتفاقية الوحدة بضرورة المحافظة على استمرار كل ما هو إيجابي في الشطرين بأن لا يمس ويبقى كما هو،
وبعدها بدأ غزو القات لحضرموت تدريجياً ولكن تعاطيه من قبل بعض الحضارم كان على استحياء،
فبدأ الدخول الأول للقات المُريسي الذي يتم جلبه من منطقة مُريس إحدى مديريات محافظة إب قديماً ثم صارت إحدى مديريات محافظة الضالع فيما بعد،
وبدأ التسويق له بطريقة احترافية وهذه طريقة المروجين، مثل التوزيع المجاني التجريبي وحبه عليك وحبه علينا والبيع بالآجل وكذلك قبول الرهن من ذهبٍ أو غيره ان لم يكن لديك مبالغ نقدية كافية،
وكم من المخزّنين رهنوا ذهب زوجاتهم وأمهاتهم وأخواتهم لدى باعة القات،
وإذا وصل الشخص لهذه الحالة فهي تشكل انحدار خطير في القيم والأخلاق، فمن السهولة أن يرتكب بعدها ما هو أخطر من ذلك،
وفي هذا السياق أتذكر قصة سمعتها ذات يوم من خطيب جمعة بجامع الصدّيق بمنطقة فُوّه بالمكلا قال فيها (أن أحد الأشخاص استمرّ على أخذ وصلة ذهبٍ صغيرة من حزام زوجته فيبيعها ويشتري القات وبعد فترة احتاجت الزوجة أن تلبس الحزام في احدى الأعراس وإذا به لم يطوّق خصرها فاستغربت ماذا جرى له وزوجها ينظر اليها فقال لها شيء طبيعي أنه ما عاد يجي عليك لأنك أصبحت سمينة!
فقال الخطيب وهل في أحد ممكن أن يسمن في هذه البلاد؟!)
وأمّا باعة القات فهم ليسوا تجاراً عاديين وهم في الحقيقة ينفذون مخطط المافيا ولا فرق بينهم وبين مروّجي المخدرات في الوسائل التسويقية إلاّ أنهم يبيعون في العلن وفي وضح النهار ولهم أسواق مخصصة ومحلات مستأجرة، مع العلم أن القات في حقيقته وحسب تصنيف منظمة الصحة العالمية أنه من أصناف المخدرات،
وصل القات للأسف الشديد إلى كل المدن والقرى في الأودية والارياف والهضاب المرتفعة والصحاري البعيدة التي لم تصلها الخدمات الضرورية التي يحتاجها الانسان كالمياه والكهرباء والصحة والتعليم،
وقد ساهم في الانتشار السريع للقات وزيادة مبيعاته في حضرموت وصول مئات الالاف من الأيادي العاملة من كُلِّ مناطق اليمن وخاصة بعد عودة أكثر من مليون مغترب أثر أزمة الخليج عام 1990م نتيجة الموقف الرسمي للنظام آنذاك تجاه تلك الأزمة والتي لم يحسب عواقب ذلك الموقف على اليمن أرضاً وإنساناً،
فتوجه معظمهم إلى حضرموت والتي شهدت نشوء حركة عمرانية كبيرة وغير مسبوقة في كافة مدنها وفي المقدمة مدينة المكلا مما ساهم في إنعاش سوق القات بشكل كبير وصرنا نرى العمال المخزنين في الشوارع في ظلال العمائر والبيوت التي يشتغلون ببنائها في فترة ما بين الظهر والعصر،
وكذلك فترة ما بعد حرب 1994م ووصول اعداد كبيرة من القوات المسلحة من أبناء المناطق الشمالية بالذات وإقامة المعسكرات والمناطق العسكرية ساهمت هي الأخرى في ازدياد حجم مبيعات القات في حضرموت بشكل غير مسبوق،
وأمّا ما حصل بعد استكمال مشروع طريق صافر وادي حضرموت الذي مثّل هو الآخر فتحا جديداً لتجار القات فقد سهّل وصول الأصناف الأخرى من مزارع أرحب وهمدان وبني حشيش وغيرها وأصبح السباق والتنافس على طول الطرق وأصبح السواقين يشكلون خطراً دائماً بشكل يومي لكل العابرين في هذه الطرق بسبب السرعة الجنونية المبالغ فيها،
وأصبح القات يصل الى أبعد نقطة في الأرياف قبل صلاة الظهر وصارت لديهم شبكة توزيع منظمة وفاعلة،
وكانت منطقة (المخينيق) من أرض كندة القديمة والتي يطلق عليها حالياً (بن عيفان) هي نقطة الالتقاء والتوزيع المركزي لبقية الأودية والمناطق الريفية وحتى هذه النقطة أصبحت مشبوهة فيما بعد كما تقول بعض التقارير الأمنية إنها مركز من مراكز بيع وترويج المخدرات الأخرى وقد أشار اليها ذات يوم الأستاذ فيصل بن شملان رحمه الله في 2006م أثناء الحملة الانتخابية وإن لم تكن المخدرات الأخرى التي قصدها أبو تمام رحمه الله فالقات أيضاً هو الآخر محسوب ضمن المخدرات وفق تصنيف منظمة الصحة العالمية،
ولأن الحديث يطول في هذا الموضوع سأتوقف هنا على أمل اللقاء في الأسبوع القادم بإذن الله.
https://www.adngad.net/articles/605243



