الرباعية الدولية بين الإنذار بالعقوبات… ومسؤوليتها المفقودة في استئناف تصدير النفط والغاز
بقلم: د. احمد بن اسحاق
بدأت الدول الأربع المعنية بالملف اليمني هذا ةلاسبوع بتبني خطاب أكثر صرامة تجاه المحافظين، وصل إلى التلويح بعقوبات مباشرة في حال عدم تحويل الإيرادات المحلية إلى المركز لصرف الرواتب. ورغم أن هذا التوجه يعكس حرص الرباعية على معالجة الانقسام المالي، الا انها تبقى معالجة جزئية لا تلامس جوهر الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد.
فالمعضلة المالية الأساسية ليست بشكل أساسي في ضعف التحصيل المحلي، بل في تعطّل الموارد السيادية الرئيسية. فالنفط والغاز كانا يمثّلان قبل عام 2014 ما يقارب ثلثي إيرادات الحكومة وأكثر من أربعة أخماس الصادرات السلعية، وهو ما جعل الدولة تعتمد عليهما بصورة شبه كاملة في تغطية الرواتب والخدمات والإنفاق العام. ومع اندلاع ماسمي بعاصفة الحزم عام 2015، بدأت سلسلة من التوقفات والانقطاعات، تخللها استئناف محدود في فترات قصيرة، إلى أن جاءت هجمات نهاية 2022 لتوقف الصادرات كلياً تقريباً من مناطق الحكومة، وتُدخل البلاد في فراغ مالي عميق لا تزال تعاني منه حتى اليوم.
ورغم هذه الحقائق، الا اننا نرى ان اهتمام الرباعية اليوم ينصب على ضبط الإيرادات المحلية وفرض التهديدات على المحافظين، بينما تغيب عن تدخلاتها مسؤولية أكثر أهمية وتأثيراً تتمثل في حماية مسار إعادة تصدير النفط والغاز وضمان استدامته. فالشريان الاقتصادي السيادي للدولة لا يزال مهدداً، والحقول والموانئ لا تزال عرضة للتجاذبات والضغوط، والشركات الأجنبية لا تزال مترددة في العودة دون ضمانات أمنية وسياسية حقيقية.
إن تحويل الإيرادات المحلية إلى المركز إجراء مهم، لكنه لا يرقى إلى مستوى الأزمة ولا يشكل بديلاً عن استعادة الموارد السيادية. فبدون عودة التصدير — وبضمانات دولية — ستظل الخزينة العامة عاجزة عن تغطية احتياجاتها الأساسية، وسيبقى الحديث عن الرواتب والخدمات مرهوناً بمعالجات إسعافية لا تمس جذور المشكلة. كما أن التهديد بالعقوبات يفقد كثيراً من مضمونه عندما تترك الموارد الوطنية الأساسية خارج دائرة الحماية الدولية.
وإذا كانت الرباعية جادة في دعم الاستقرار المالي، فإن عليها الانتقال إلى أبعد من إدارة أزمة الإيرادات المحلية نحو معالجة أساس الأزمة: عودة التصدير السيادي. وهذا يتطلب آلية واضحة لحماية المنشآت، وتوفير مظلة دولية للشركات المشغّلة، وتثبيت ترتيبات رقابية تضمن وصول العائدات إلى الخزينة العامة بشفافية وعدالة، دون خضوعها لأي ابتزاز سياسي أو عسكري.
إن اليمن لن يخرج من أزمته الاقتصادية الراهنة ما لم يُعاد تشغيل شريان موارده الأساسية، وما لم تُصن سيادته المالية من التعطيل والتجاذب. وكل معالجة لا تجعل من استئناف تصدير النفط والغاز نقطة البداية، ستبقى مجرد حلقة إضافية في سلسلة إدارة الأزمة، لا في طريق حلها.



