مقالات الرأي

إشكالية تفتيش هاتف محمول المقبوض عليه

بقلم: القاضي شاكر محفوظ بنش

كفلت الشريعة الإسلامية، وكذلك المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان والحريات العامة، ودساتير وقوانين كثير من الدول، حق الأشخاص في الحفاظ على أسرارهم الخاصة، وأنه لا يجوز انتهاك هذا الحق بأي شكل من الأشكال.

وقد نصت المواد (48، 52، 53) من دستور الجمهورية اليمنية على عدم جواز مراقبة أي شخص أو التحري عنه، وعلى حرمة المساكن وعدم جواز دخولها أو مراقبتها أو تفتيشها، وكفالة حرية وسرية المواصلات البريدية والهاتفية والبرقية وكافة وسائل الاتصال، وعدم جواز مراقبتها أو تفتيشها أو إفشاء سريتها أو تأخيرها أو مصادرتها إلا وفق القانون. وعلى هذا النحو من الحماية الدستورية للأسرار الخاصة، يصبح كل شخص آمناً ومستقراً في حياته الخاصة.

غير أنّ وقوع الجريمة — الذي يتولد عنه نشوء حق للدولة في معاقبة مرتكبها وإثبات الجريمة — كان مؤداه إقرار بعض الإجراءات التي تمس هذا الحق في الحفاظ على الأسرار الخاصة بغية ضبط أدلة الجريمة. وهذه الإجراءات تشمل: التفتيش، وضبط الأشياء، والمراسلات البريدية والهاتفية وكافة وسائل الاتصال، ومراقبة المحادثات السلكية واللاسلكية.

والتفتيش هو عمل من أعمال التحقيق يهدف إلى البحث عن أدلة جريمة وقعت، فيُفضي إلى المساس بحق الشخص في الحفاظ على أسراره عن طريق تحري شخصه أو مكانه الخاص. ومن هذا نخلص إلى أن محل التفتيش هو: الأشخاص والأماكن، وأنه يشترط للإذن به من السلطة المختصة — وهي النيابة العامة — أن يكون هناك وقوع لجريمة، ووجود أدلة قوية، وأن يكون المقصود من التفتيش جمع أدلة هذه الجريمة، وأن تكون هناك فائدة تعود من التفتيش على التحقيق.

ونصوص المواد (81، 101، 102، 103، 133) من قانون الإجراءات الجزائية رقم 13 لسنة 1994م أجازت لمن يقوم بتنفيذ أمر القبض تفتيش المقبوض عليه لتجريده من الأسلحة وكل ما يحتمل استعماله في المقاومة أو الهرب أو إيذاء نفسه أو غيره. أي إن تفتيش المقبوض عليه يكون بالبحث عما في جسمه أو ملابسه أو أمتعته الموجودة معه، وعلى أن تُسلَّم الأشياء المضبوطة للجهة الآمرة بالقبض. وإذا كان المقبوض عليه أنثى فلا يجوز تفتيشها إلا بمعرفة أنثى.

كما أجاز القانون لمأمور الضبط القضائي، عند القبض في حالات الجرائم المشهودة (التلبس) المعاقب عليها بالحبس مدة تزيد على ستة أشهر، أن يفتش المتهم ومنزله ويضبط الأشياء والأوراق التي تفيد في كشف الحقيقة، متى وُجدت إمارات قوية تدل على وجودها فيه.

ومما يتضح من نصوص قانون الإجراءات الجزائية أن التفتيش يقع على أشياء مادية ملموسة ومحسوسة، كونه إجراء من إجراءات التحقيق يستهدف البحث عن أدلة الجريمة. فهو وسيلة للوصول إلى غاية محددة وهي الضبط. والضبط هو الطريقة القانونية التي تضع سلطة التحقيق بواسطتها يدها على جميع الأشياء التي وقعت عليها الجريمة أو نتجت عنها أو استُعمِلت أو كانت معدة لارتكابها، كالأسلحة، والأوراق، والأشياء المسروقة، والثياب الملوثة، وغير ذلك من الأشياء كالهواتف المحمولة والحواسيب الآلية ذاتها أو مكوناتها.

وبتتبع نصوص قانون الإجراءات الجزائية بشأن القبض والتفتيش نجد أنها قد أرست قاعدة قانونية مؤداها:
“في الأحوال التي يجوز فيها القبض على المتهم، يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يفتشه بغرض ضبط الأشياء والأوراق التي تفيد في كشف الحقيقة وتسليمها لسلطة التحقيق المختصة”.

والهاتف المحمول بذاته يُعد من الأشياء المادية التي يتم ضبطها بعد عملية تفتيش للشخص أو منزله. بيد أن ما بداخله من البرمجيات والبيانات والمعلومات الإلكترونية يعد من الأشياء المعنوية، مثلها مثل التنصت على المحادثات وتسجيلها — سواء هاتفية أو شخصية — أو التحري عبر شبكة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي. فالشبكة الإلكترونية وما تتضمنه من مكونات، سواء تم النفاذ إليها عن طريق الهاتف المحمول أو الحاسب الآلي أو عن بُعد باستخدام التقنيات الحديثة، كلها تعتبر أشياء معنوية غير ملموسة أو محسوسة.

والأصل فيها — بحسب نصوص قانون الإجراءات الجزائية — أنها لا تصلح محلاً للتفتيش. وبالتالي فإن عملية النفاذ والدخول إلى الهاتف المحمول أو الحاسب الآلي وتقصي وفحص البيانات والمعلومات داخل هذه الأجهزة هي الإشكالية الحقيقية والتحدي الذي لم تُعالجه النصوص التقليدية في قانون الإجراءات الجزائية، تماماً كما لم تُعالج النصوص التقليدية في قانون الجرائم والعقوبات اليمني رقم 12 لسنة 1994م الجرائم الإلكترونية من حيث شرعية ومشروعية تفتيش الهاتف المحمول أو الحاسب الآلي كإجراء، وما ينتج عنه من دليل.

القاضي شاكر محفوظ بنش
16 / 11 / 2025م.

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
arArabic