مقالات الرأي

القرار رقم (11).. اختبار مصداقية الدولة في إنقاذ نفسها

بقلم: د. أحمد بن إسحاق

حين تعلن الدولة عجزها عن دفع رواتب موظفيها، فذلك إعلان إفلاس لا يحتاج إلى بيان رسمي، وهو ما استدعى صدور القرار رقم (11) عن مجلس القيادة الرئاسي ليشكل نقطة تحول مفصلية في مسار الإنقاذ المالي والإداري، خصوصًا بعد أن أطلق رئيس الوزراء سالم بن بريك خطة إصلاح شجاعة تهدف إلى استعادة التوازن الاقتصادي وإنقاذ مؤسسات الدولة من الانهيار.

غير أن تفاعل السلطات المحلية مع القرار كشف تفاوتًا في الوعي والمسؤولية الوطنية. فقد كانت محافظة تعز الاستثناء الإيجابي، إذ تعاملت بجدية ومسؤولية وطنية وشكلت لجانًا فنية لمراجعة الإيرادات والنفقات، واتخذت خطوات نحو الشفافية في التحصيل والإنفاق، إدراكًا منها أن الإصلاح المالي ليس شعارًا بل شرط لبقاء الدولة واستمرار حياة الناس.

في المقابل، اكتفى بعض المحافظين بتصريحات خجولة لا تعكس إرادة حقيقية في التنفيذ، بينما مضت محافظات أخرى إلى التذرع بحجج شكلية واشتراطات بيروقراطية كما في مملكة سبأ (مأرب)، التي اشترطت الربط الشبكي لفرع البنك المركزي قبل البدء، وكأن المسألة خيار تفاوضي لا التزام وطني. أما محافظات مثل شبوة وسقطرى، فصمتها يوحي وكأن القرار لا يعنيها أو كأنها خارج الجغرافيا اليمنية، وهو موقف يعكس غياب الرؤية الوطنية واستمرار النزعة المناطقية المدمرة لأي جهد للإصلاح.

إن القرار رقم (11) ليس توجيهًا إداريًا عاديًا، بل خطة إنقاذ وطنية ملزمة، وأي تهاون في تنفيذها هو تواطؤ مع الانهيار. ويتحتم على وزارة المالية والبنك المركزي الإشراف المباشر على التنفيذ الميداني في جميع المحافظات، وإنشاء غرف رقابة مالية ولجان متابعة تضمن الالتزام الكامل، مع دور فاعل للمجتمع المدني والإعلام في مراقبة الأداء وكشف أي عرقلة أو تلكؤ، لأن الإصلاح المالي لن ينجح إلا بضغط شعبي ورقابة مجتمعية واعية.

نحن أمام مرحلة حرجة تتطلب قرارات شجاعة وتنازلات مسؤولة من الجميع. لم يعد مقبولًا أن تتصرف المحافظات كجزر مالية مستقلة أو أن تُعلَّق القرارات على ذرائع بيروقراطية. فالقرار رقم (11) هو اختبار حقيقي لمصداقية الجميع: مجلس القيادة، الحكومة، المحافظين، والمواطن الذي ينتظر راتبه آخر الشهر. فإما أن ننجح معًا في تطبيقه لإنقاذ الدولة، أو نستسلم لمصير الانهيار الذي لا يرحم أحدًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
arArabic