كي لا ننسى.. 17 عامًا على أسوأ كارثة سيول في حضرموت

علوي بن سميط – حضرموت نيوز
سبعة عشر عامًا مضت على واحدة من أقسى الكوارث الطبيعية التي شهدتها حضرموت في تاريخها الحديث — كارثة سيول أكتوبر 2008م، التي غيّرت ملامح الوادي وأثرت في حياة الآلاف من الأسر، وخلّفت وراءها مشاهد من الدمار لا تزال محفورة في ذاكرة من عاشوها.
أسبوع في قلب المأساة
منذ الساعات الأولى بعد الكارثة، انطلق فريق صحيفة الأيام – مكتب وادي حضرموت في مهمة إنسانية وصحافية تطوعية امتدت من 25 أكتوبر حتى أوائل ديسمبر 2008م، متنقلين بين مناطق الوادي وساحله شرقًا وغربًا، لتوثيق حجم المأساة ومتابعة تداعياتها ميدانيًا.
شارك في التغطية الميدانية الصحافيون: علوي بن سميط، عبدالله بن حازب، محمد الحداد، قيس الدوعني، وسعيد شكابه، الذين قسموا أنفسهم إلى فريقين لتغطية المناطق المتضررة كافة — من المسيلة ووادي الأحرار شرقًا إلى سيئون وتريم والسوم والهضبة.
«لم نكن صحفيين فحسب، بل كنا جزءًا من الميدان، ننام في الخيام، ونأكل مع المتضررين، ونحس بما يحسون به» — هكذا يصف أحد أعضاء الفريق تلك الأيام.
سكنت البعثة المدارس والمخيمات إلى جانب الأسر المنكوبة، وشاركت في توزيع المساعدات والإغاثات التي كانت تُنقل جوًا عبر طائرات الهليكوبتر من مطار سيئون إلى المناطق النائية.
بين الميدان والسماء
يستعيد الفريق مشاهد من تلك الأيام:
- في مسيلة الأحرار، توثيق منازل طينية جرفتها السيول بالكامل.
- في السوم، الهبوط من طائرة هليكوبتر وسط قرى معزولة.
- فوق هضبة يبحر المطلة على قبر نبي الله هود، مشاهد الدمار من السماء.
- لقاءات مع نائب السفير الكويتي في مطار سيئون أثناء استقبال المساعدات الكويتية.
- صور من حصن فلوقة لطفلين على أنقاض منزلهما، تختصر حجم الألم الإنساني.
جسر الإغاثة الخليجي
مع توالي الأيام، تحولت مطارات سيئون والريان بالمكلا إلى ممرات مزدحمة بالطائرات الإغاثية القادمة من دول الخليج.
فخلال الأسابيع الأولى من نوفمبر وحتى منتصف ديسمبر 2008م:
- 18 طائرة إماراتية وصلت إلى مطار سيئون محملة بالمواد الغذائية ومعدات المستشفى الميداني الذي أقيم في الغرف.
- 12 طائرة كويتية نقلت آلاف الأطنان من المساعدات ومواد الإيواء، بينها أكثر من 5000 خيمة وصلت بعد يومين فقط من الكارثة.
- 5 طائرات عمانية نقلت مواد غذائية وعلاجية من مسقط وظفار إلى مطار سيئون.
- 160 شاحنة إغاثة عبرت منفذ الوديعة محمّلة بالمؤن والمساعدات القادمة برًا من دول الخليج.
وتعد دولة الكويت من أوائل الدول التي استجابت للكارثة، حيث تفوقت في سرعة إيصال المواد الغذائية ومواد الإيواء، في حين شاركت الإمارات وعُمان والسعودية وقطر في دعم المتضررين ماديًا ولوجستيًا، في مشهد عربي وإنساني نادر.
ذاكرة إنسانية لا تُنسى
كانت تلك الأيام اختبارًا صعبًا للصحافة والإنسانية معًا. لم يكتفِ الصحافيون بتوثيق الأضرار، بل كانوا صلة الوصل بين المتضررين والجهات الرسمية والمنظمات الدولية، ينقلون الاستغاثات ويحصون الأضرار في مناطق لم تصلها فرق المسح الحكومية.
ورغم الخطر والعزلة وصعوبة الوصول، كانت الاستجابة الميدانية تتسارع فور نشر التقارير والمشاهدات التي أرسلتها فرق صحيفة الأيام، حتى قبل نشرها في الصحف، ما منح الإعلام الميداني حينها دورًا مؤثرًا في إنقاذ الأرواح وتوجيه المساعدات.
بعد 17 عامًا
اليوم، وبعد مرور سبعة عشر عامًا على الكارثة، تبقى سيول 2008م علامة فارقة في ذاكرة حضرموت، تذكّر بما يمكن أن تفعله الطبيعة، وبقيمة التضامن الإنساني حين يتجرد من المصلحة.
(حتى لا ننسى…)
مأساة حفرت في الطين والوجدان، وسطور من التضحية كتبها أبناء حضرموت ورفاقهم من المتطوعين والصحافيين الذين كانوا هناك — بين الخطر والواجب، بين الحبر والماء.



