النخبة.. صمام أمن حضرموت ودرع التصدي لمخططات جرها إلى الفوضى

خاص – حضرموت نيوز
تعيش محافظة حضرموت، حالة من الجدل والاحتقان المتصاعد، في ظل تحركاتٍ واصطفافاتٍ سياسية وأمنية متشابكة، يقول مراقبون إنها تستهدف ضرب استقرار المحافظة وشطر مرجعيتها الأمنية بين الساحل والوادي، بما يفتح الباب أمام فوضى أمنية وانقسامٍ اجتماعي خطير، قد يمتد أثره إلى عموم المحافظات الجنوبية والشرقية.
ويؤكد خبراء، أن أي محاولة لتقسيم المنظومة الأمنية في حضرموت، أو إنشاء تشكيلاتٍ موازية خارج الإطار الرسمي، تعني عمليًا تمزيق وحدة القرار، وتفكيك ركائز الدولة، وإضعاف المؤسسات الشرعية لصالح قوى نفوذٍ تسعى إلى إعادة إنتاج واقع المليشيات والانقسامات. ويرى هؤلاء أن حضرموت، بتاريخها وموقعها وثرواتها، لا يمكن أن تُدار إلا بمرجعية أمنية موحدة، وقيادةٍ ميدانية واحدة تبسط سيطرتها من مدينة المكلا على ساحل بحر العرب إلى مدينة سيئون في واديها الخصيب، في إطار دولةٍ واحدة وسلطة قانونٍ لا تتجزأ.
تصعيد ممنهج وتحركات مشبوهة
تشير مصادر محلية مطّلعة إلى أن المدن الساحلية في حضرموت تشهد منذ أيام موجة تصعيدٍ متزايدة، تتخذ أشكالًا متعددة تبدأ بحملات تجنيدٍ عشوائية خارج الأطر الرسمية، مرورًا باستحداث نقاط جبايةٍ غير قانونية على الطرق الحيوية، وصولًا إلى خطابٍ تعبويٍّ يُسوِّق لمظلومية أبناء حضرموت ويدعو إلى فصل الساحل عن الوادي تحت شعار الحكم الذاتي.
وتقول المصادر إن هذا الخطاب الذي يتخفّى وراء شعارات “العدالة والتمثيل المحلي”، يهدف في جوهره إلى شق الصف وتمزيق وحدة الموقف داخل المحافظة، وإضعاف القوات الرسمية وعلى رأسها قوات النخبة الحضرمية التي تُعدّ صمام منظومة الأمن بالمحافظة. وأضافت أن هذا التصعيد يرافقه نشاطٌ إعلامي مكثّف، تديره جهاتٌ تموَّل من خارج البلاد، وتسعى إلى تصوير أي إجراءاتٍ حكومية أو أمنية باعتبارها “استهدافًا لأبناء الساحل”، وفصلهم عن كل حضرموت في محاولة لاستثارة الشارع وإشعال التوتر.
أسماء في دائرة الاتهام
وفي خضم هذا المشهد، كشفت مصادر سياسية وأمنية عن أسماءٍ يجري تداولها تقف –بحسب قولها– خلف هذا المسار المريب. وذكرت المصادر أن سالم الغرابي، وهو أحد الشخصيات التي كانت فاعلة في بعض الأنشطة المدنية سابقًا، بات في الآونة الأخيرة على تواصلٍ دائم مع علي سالم الحريزي في محافظة المهرة، لتأمين دعمٍ مالي ولوجستي خارجي لتلك التحركات المشبوهة. كما وُصف الغرابي بأنه مقرّب من مليشيا الحوثي، وأنه يتولى تنسيق بعض الاتصالات غير الرسمية مع شخصياتٍ محسوبة على المليشيا المدعومة من إيران، بهدف إرباك المشهد الأمني في الساحل وإضعاف سلطة الدولة.
وفي السياق ذاته، أشارت المصادر إلى أن عمرو بن حبريش، أحد أبرز الشخصيات المحلية في الساحل، يجري دفعه –بحكم محدودية خبرته السياسية– إلى تبنّي حملات تجنيدٍ عشوائية خارج مؤسسات الدولة، بما يفتح ثغراتٍ أمنية خطيرة ويقوّض مرجعية الأجهزة النظامية.
تحذيرات أمنية وعسكرية
قادة عسكريون وخبراء أمنيون في حضرموت حذروا من أن استمرار حالة الفوضى والانقسام في الساحل ستشكّل بيئةً خصبة لعودة شبكات التهريب والمخدرات، وتمنح جماعات الإرهاب –كالقاعدة وداعش– فرصةً ذهبية لإعادة التموضع مستفيدةً من اقتصادٍ موازي وتمويلٍ غير مشروع وفراغٍ في السيطرة.
وأشار هؤلاء إلى أن قوات النخبة الحضرمية التي خاضت معارك شرسة عام 2016 لتحرير مدينة المكلا ومدن الساحل من تنظيم القاعدة، تمثّل اليوم صمّام الأمان الرئيسي للمحافظة، وأن أي محاولات لإضعافها أو تقويض نفوذها تعني عودة الخطر الإرهابي، وتوسّع شبكات التهريب التي تخدم الحوثيين عبر منافذ بحرية وجبلية يصعب السيطرة عليها في ظل الانقسام.
وأوضح مصدر عسكري بارز أن “الفوضى الأمنية لا تُخدم أبناء حضرموت، بل تخدم تجار السلاح والمخدرات، وتفتح الطريق أمام تهريب الوقود والأسلحة إلى مناطق سيطرة الحوثيين”. وأضاف أن “السكوت عن هذه الممارسات يشجّع على تكريس واقع المليشيات والانقسام القبلي، وهو ما سيقود إلى انهيار منظومة الأمن والاستقرار التي تميّزت بها حضرموت خلال السنوات الماضية”.
وحدة القرار طريق النجاة
ويجمع المراقبون على أن مصلحة حضرموت تقتضي اليوم أكثر من أي وقت مضى توحيد المرجعية الأمنية والعسكرية تحت قيادةٍ واحدة، تعمل ضمن مؤسسات الدولة وتخضع لسلطة القانون. كما يشددون على ضرورة وقف كل عمليات التجنيد غير القانونية، وإغلاق معسكراتٍ ونقاطٍ عشوائية لا تخضع للإشراف الرسمي، وربط أي موارد أو جبايات بخزينة الدولة، بعيدًا عن الحسابات الشخصية أو الولاءات المناطقية.
ويرى محللون أن المعركة الحقيقية في حضرموت ليست بين الساحل والوادي، بل بين مشروع الدولة ومشاريع الفوضى. فبينما يدفع البعض باتجاه تشكيل قوى أمنية بديلة، يتطلّب الحفاظ على السيادة والكرامة الوطنية دعم القوات النظامية القائمة وتحصينها من الاختراق، واستعادة الثقة بين الأجهزة الأمنية والمجتمع المحلي من خلال الشفافية والمساءلة.
السيادة لا تُقسم
ويؤكد المراقبون أن استقرار ساحل حضرموت لا يمثل مكسبًا محليًا فحسب، بل يشكّل جدارًا استراتيجيًا في مواجهة تهريب السلاح والإرهاب العابر للحدود، ما يجعل المحافظة هدفًا مباشرًا لقوى تسعى إلى تفكيكها وإرباك أمنها. ويشدّد هؤلاء على أن “تنفيذ الأمن أولًا” هو حجر الأساس لأي مشروع وطني أو إنمائي، وأن السيادة لا تُقسم بين ساحلٍ ووادي، ولا تُدار بتوازنات قبائلية أو حسابات ضيقة.
فحضرموت، التي قدّمت نموذجًا في الاستقرار والتعايش، لا تحتاج إلى مزيدٍ من الانقسام، بل إلى قيادةٍ مسؤولة وقوةٍ موحّدة تضع مصلحة المواطن فوق أي انتماءٍ آخر. وحين تُدار النقاط الأمنية وفق القانون، وتُغلق بوابات التجنيد العشوائي، وتُستعاد هيبة الدولة، يصبح الطريق ممهدًا لحماية الأرض والإنسان والثروة من مشاريع التفتيت والخراب.
بهذا وحده –كما يقول المراقبون– يمكن أن تبقى حضرموت بذراع نخبتها درعًا حصينًا للوطن، عنوانًا للأمن، وركنًا ثابتًا في معادلة السيادة التي لا تُقسم.



