اقتحام صحيفة عدن الغد.. جرس إنذار لكرامة شعب بأكمله

بقلم: د. احمد بن اسحاق
أثار الفيديو الذي نشره الإعلامي القدير فتحي بلزرق، رئيس تحرير صحيفة عدن الغد، والذي وثّق عملية اقتحام مسلحين لمبنى الصحيفة وإغلاقها واعتقاله، جدلاً واسعاً في الأوساط الإعلامية والسياسية. وتدفقت التساؤلات حول هوية الجهة التي تقف خلف تلك المجموعة المسلحة، خاصة في ظل الآراء التي عُرف بها بلزرق ومواقفه الوطنية المدافعة عن حقوق الناس.
المشهد كان صادماً: إعلامي وطني بارز يُعامل بطريقة لا تليق سوى بمجرم فارّ من العدالة. وإذا كان هذا هو أسلوب التعامل مع شخصية عامة وصوت إعلامي مؤثر، فكيف سيكون الحال مع المواطن البسيط الذي لا يملك سوى صوته؟
بعد ساعات من الاعتقال، أُطلق سراح الصحفي بلزرق، وظهرت روايتان متناقضتان لتبرير الواقعة: الأولى تقول إن السبب يعود إلى نشره منشوراً يكشف جبايات غير قانونية تقوم بها جهات عسكرية، فيما تشير الثانية إلى خلاف مالي يتعلق بمديونية على الصحيفة. غير أنّ جوهر القضية لا يكمن في دوافع الاعتقال، بل في الطريقة التي جرى بها، وما تعكسه من تراجع خطير في احترام الدستور والقوانين.
فالدستور اليمني النافذ، ومنظومة القوانين المنبثقة عنه، من أرقى المنظومات التشريعية في العالم العربي في ضمان كرامة الإنسان وحريته. فقد نظّم العلاقة بين الفرد والسلطة بما يكفل حرية الرأي والتعبير، وحدد بدقة صلاحيات الأجهزة الأمنية والقضائية، وأرسى قواعد العدالة في القضايا المدنية والجنائية والتجارية والإدارية. ومن هذا المنطلق، يفرض علينا الحدث أن نسأل: ما هو التعريف القانوني للاعتقال؟ من هي الجهة المخوّلة قانوناً بتنفيذه؟ وما الشروط والإجراءات التي يجب أن تسبق أي عملية توقيف؟
الإجابة عن هذه الأسئلة كفيلة بكشف حجم الخلل في اقتحام مؤسسة إعلامية وإغلاقها وجرّ رئيس تحريرها إلى أحد المراكز الأمنية وتقييد حريته، وتحديد ما إذا كانت تلك الإجراءات متسقة مع طبيعة الشكوى ــ أياً كان نوعها ــ أم أنها انتهاك صارخ للمعايير القانونية والدستورية.
إن ما جرى داخل مبنى صحيفة عدن الغد لا يُعد اعتداءً على شخص فتحي بلزرق أو على طاقم صحيفته فحسب، بل هو امتهان لكرامة شعب يتجاوز تعداده الأربعين مليوناً. فكرامة الأفراد لا تنفصل عن كرامة الأمة، وأي انتهاك لحرية صحفي أو مواطن إنما هو جرح مباشر في سيادة الدستور والقانون.
إن إطلاق سراح رئيس التحرير وإرسال اعتذارات شكلية لا يكفيان في مثل هذه المواقف. المطلوب اليوم هو فتح تحقيق شفاف ومستقل يعيد الاعتبار للقانون وهيبته، ليس في مديرية المنصورة وحدها، بل في كل شبر من الوطن. فما يهمنا ليس حماية فرد أو صحيفة بحد ذاتها، بل حماية كرامة شعب كامل وصيانة دستور ارتضاه لنفسه.