عودة المحافظ.. وانكشاف الهضبة

بقلم: طه بافضل
في مقالي السابق عن عودة المحافظ كنت أتساءل، وإذا بي أقرأ واسمع سخط أتباع “الهضبة” فلم أتعجب، ففي حضرموت، لا يعود المحافظ إلا ليُتهم بأنه عاد.
مبخوت بن ماضي، الذي غاب ثلاثة أشهر، لم يُغفر له أنه عاد، ولا يُغفر له أنه غاب. خصومه من حلف الهضبة، بقيادة بن حبريش، قرروا أن كل الطرق تؤدي إلى الخطيئة، ما دام هو من يسير فيها.
الابن الضال؟ يا لها من استعارة توراتية، تصلح لمسلسل رمضاني أكثر من مقال سياسي. لكن لا بأس، فلنأخذها على محمل الجد: هل كان مبخوت يرعى الخنازير في منفاه؟ هل عاد بثياب ممزقة يطلب الصفح؟ أم أن الضال الحقيقي هو من ظن أن حضرموت تُدار بالبيانات، لا بالناس؟
الغياب؟ ثلاثة أشهر من الغياب، يقولون إنها كانت كافية لانهيار الكون الحضرمي. لكن مهلاً، ألم يكن بن حبريش موجودًا؟ ألم يكن “الحلف” في أوج نشاطه؟ لماذا لم تُحل المشكلات إذًا؟ أم أن وجود مبخوت هو شرط الوجود ذاته؟ إن كان غيابه كارثة، فوجودهم هو كارثة مضاعفة.
الفراغ الإداري؟ يا سلام. كأن حضرموت كانت تُدار من غرفة عمليات في باريس، ثم أُغلقت بسبب إضراب الطيارين. الحقيقة أن الفراغ لم يكن إداريًا، بل أخلاقيًا: حين يتحول النقد إلى شماتة، والمعارضة إلى تصفية حسابات، يصبح الغياب أهون من الحضور.
الهروب من المشكلات؟ وهل كان بن حبريش يواجهها؟ أم كان يكتب بيانات عن “الابن الضال”؟ قضية العميد اليميني؟ الحلف؟ الجامع؟ كلها ملفات تصلح لندوات فكرية، لا لمزايدات إعلامية. من أراد الحل، لا يبدأ بالشتيمة.
عودة لا تخدم حضرموت؟ ربما. وربما تخدمها. لكن المؤكد أن المقالات التي تُكتب على طريقة “ليته لم يعد” لا تخدم إلا كاتبها، حين يظن أن حضرموت تُختزل في موقف من شخص، لا في مشروع لشعب.
عدد من الساعات طافية؟ أول بشارة؟ أم أول نكتة؟ إذا كانت الكهرباء معيار الحكم، فليُحاسب الجميع، من أولهم إلى آخرهم، لأن الضوء لا يعرف المحافظ من المعارض، بل يعرف من سرقه.
في الختام: الأيام حبلى بالمستجدات، فعودة مبخوت ليست انتصارًا، لكنها أيضًا ليست جريمة. أما الجريمة الحقيقية، فهي أن تتحول حضرموت إلى ملعب لتصفية الحسابات، لا إلى ساحة لبناء المستقبل. فليعد من يشاء، وليغِب من يشاء، لكن ليبقى الضمير الحضرمي حاضرًا، لا ضالًا.