أهم الاخبارمال وأعمال

سقوط إمبراطورية “هائل سعيد أنعم”… من امتصاص الوديعة السعودية إلى دعم الحوثي وخنق المحافظات المحررة

حضرموت نيوز – وحدة التقارير الاقتصادية

تصاعدت حدة انتعاش الأسواق في المحافظات المحررة بعد التعافي التدريجي للريال أمام العملات الأجنبية، وهو على ما يبدو ما أوغر صدور واحدة من أكبر المجموعات التجارية في البلاد، هائل سعيد أنعم، التي أصدرت بيانًا رسمياً صادما، لما حمله من إشارات سلبية وإيحاءات تشكك في استقرار سعر العملة الوطنية.

البيان، الذي جاء عقب التحسن ملحوظ في قيمة الريال، ألمح بوضوح إلى أن المجموعة لن تخفض أسعارها في المرحلة الحالية، بحجة عدم وجود ما يكفي من “الضمانات الحقيقية” لاستمرار هذا التحسن، وعدم تنسيق الجهات الرسمية معها بشأن الإجراءات الاقتصادية الأخيرة.

هذا التصريح الذي جاء بلغة غير مباشرة، حمَل دلالات خطيرة إلى السوق والمواطن في آن، أبرزها:

  • أن سعر الصرف الحالي هشّ وغير قابل للاستمرار.
  • أن تعافي الريال ليس إلا موجة عابرة قد تتراجع في أية لحظة.
  • أن الفجوة بين السعر الرسمي والسوق الموازي لا تزال قائمة رغم الإجراءات الحكومية.

ورغم أن البيان لم يصرح بذلك نصًا، إلا أن أثره كان بالغًا على السوق والمجتمع؛ حيث زادت حالة الحذر لدى التجار والمستوردين، وبدأت مؤشرات تجميد التخفيضات السعرية بالظهور في قطاعات واسعة، مع احتمال إعادة رفع بعض الأسعار تحسبًا لأي انتكاسة مرتقبة. وبهذا، يجد المواطن نفسه أمام ضربة مزدوجة: لا انخفاض فعلي في الأسعار، ولا استقرار حقيقي في سعر العملة.

استحواذ ضخم على الوديعة السعودية

لا يمكن النظر إلى هذا الموقف بمعزل عن الخلفية الاقتصادية والسياسية للمجموعة ذاتها، خاصة بعد ما كشف عنه تقرير خبراء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في عام 2021، الذي أشار بوضوح إلى أن المجموعة المذكورة استحوذت على نحو 48% من إجمالي الوديعة السعودية المقدمة لليمن عام 2018، والبالغة حينها 1.89 مليار دولار. وبهذا فإن ما استحوذت عليه المجموعة يقدّر بـ 872.1 مليون دولار تقريبًا.

هذا الرقم الضخم لم يكن مجرد تمويل عبثي، بل أتاح للمجموعة تحقيق أرباح مباشرة تجاوزت 194.2 مليون دولار، وذلك عبر آلية الاعتمادات المستندية التي تم اعتمادها حينها كوسيلة لصرف الوديعة. وقد وصف تقرير الأمم المتحدة هذا الأداء بأنه “استحواذ نخبوي”، تم بطريقة تمييزية فاضحة، دون مراعاة لمبدأ العدالة أو المصلحة الوطنية، بل جاء على حساب الشركات الأخرى، والسوق، والمواطن اليمني المطحون تحت وطأة الغلاء.

سعي متأخر لتلميع السمعة بعد تشويهها

تداعيات هذا التقرير الدولي كانت صادمة لدرجة دفعت المجموعة للتحرك سريعًا على المستوى الخارجي لإعادة تلميع صورتها، لا سيما أمام الجهات الأممية والمنظمات الإنسانية والدولية. فقد فعّلت ذراعها الخيرية بشكل واسع، وبدأت في توقيع مذكرات تفاهم مع كيانات مثل برنامج الغذاء العالمي (WFP)، ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (OCHA)، ووسعت نشاطها في ما يسمى المسؤولية الاجتماعية (CSR)، متجهة نحو مشاريع دعم التعليم، والمزارعين، والأنشطة المجتمعية الصغيرة.

كما أبدت استعدادها للانضمام إلى مبادرات مثل الميثاق العالمي للأمم المتحدة (UN Global Compact)، ومبادرات القطاع الخاص من أجل بناء السلام، في محاولة لإعادة بناء علاقاتها مع المانحين، وتحسين موقعها التفاوضي مع الحكومة اليمنية، والابتعاد عن أية اتهامات محتملة في تقارير لاحقة.

لكن مراقبين يرون أن هذه التحركات ما هي إلا حملة علاقات عامة، تهدف لحماية مصالحها التجارية التي تعتمد على الاستيراد والعلاقات الدولية، أكثر مما تعكس رغبة حقيقية في تصحيح المسار أو دعم الاقتصاد الوطني بشكل عادل ومتوازن.

تخادم اقتصادي مقلق مع الحوثيين

الأمر لا يتوقف عند حدود سوء التوزيع أو استغلال الدعم الخارجي، بل يتعداه إلى ما هو أخطر من ذلك: علاقة مريبة مع مليشيا الحوثي في صنعاء. فوفقًا لمصادر مطلعة في القطاعين المالي والضريبي، لا تزال المجموعة تواصل دفع مبالغ ضخمة كضرائب وجبايات لسلطات الحوثيين بالدولار الأمريكي، بينما تمتنع عن القيام بذلك في المناطق المحررة، بذريعة أنها “تقوم بدورها الوطني” بتوفير السلع للمواطنين دون أرباح تذكر.

هذه العلاقة تثير تساؤلات عميقة حول التزام المجموعة بالدولة اليمنية المعترف بها دوليًا، خاصة أن استمرار الدعم المالي لسلطات الحوثيين ينعكس بشكل مباشر على قدرتهم على تمويل أنشطتهم العسكرية، في وقتٍ يُحرم فيه المواطن في المحافظات المحررة من تخفيضات حقيقية أو حتى التزام تجاري أخلاقي.

بيان تحذيري.. ورسالة تحدٍ للحكومة والبنك المركزي

البيان الأخير الصادر عن المجموعة لا يمكن تفسيره إلا كرسالة سياسية موجهة إلى الحكومة والبنك المركزي، فيها ما يشبه التحذير غير المباشر من مغبة اتخاذ قرارات اقتصادية دون التنسيق مع ما يُفترض أنها جهة تجارية. حيث طالب البيان بشكل صريح بـ”ضمانات حقيقية” قبل خفض الأسعار، وهو ما يعكس ميلًا إلى تجاوز المؤسسات الرسمية والتعامل معها بمنطق الشراكة الندية لا الخضوع لسياسات الدولة.

هذا التوجه، في حال استمر، يمثل تحديًا مباشرًا لسيادة الدولة الاقتصادية، ويعزز من دور القطاع الخاص المحتكر كمتحكم في مفاصل السوق، لا شريك داعم للاستقرار والنمو.

دعوات لتفكيك الاحتكار واستقطاب بدائل

في خضم هذه المعطيات، بدأت ترتفع في الشارع والقطاعات الاقتصادية أصوات تطالب بضرورة إنهاء احتكار المجموعة للسوق اليمني، خصوصًا في قطاع الأغذية والمواد الأساسية، وفتح المجال أمام تجار وموردين آخرين، خاصة من القطاع الخاص المحلي والخليجي، وتقديم التسهيلات اللازمة لهم لدخول السوق، ومنافسة هذا الكيان المتغوّل.

هذه الدعوات لا تأتي من منطلق المنافسة فقط، بل تنطلق من حاجة استراتيجية لتحرير السوق من النفوذ الاحتكاري، الذي بات يتحكم في الأسعار، والمواسم، وكميات العرض، وحتى المزاج العام للاستهلاك، دون رقيب أو حسيب.

هل من مراجعة حكومية عاجلة؟

في ظل كل هذه المؤشرات، لا يبدو أن استمرار الوضع الحالي يخدم جهود الإصلاح الاقتصادي، أو حتى الأهداف الإنسانية التي تتغنّى بها المجموعة إعلاميًا. بل على العكس، فإن التغاضي عن هذا السلوك الاقتصادي غير العادل قد يؤدي إلى مزيد من الإخلال في توازن السوق، ويُفقد الجهات الحكومية والمانحين ثقتهم في آلية توزيع الموارد والدعم.

وعليه، فإن المطلوب اليوم ليس فقط النقد والمقاطعة، بل المراجعة الجادة لهيكل السوق، والضوابط التي تحكم عمل المجموعات التجارية الكبرى، وإيجاد آلية عادلة لتوزيع الدعم، وتقييم آثار السياسات السابقة، وصولًا إلى إعادة الاعتبار لمفهوم الشراكة الوطنية في زمن الأزمة.

الخلاصة:

ليست المسألة خلافًا تجاريًا عابرًا، بل قضية تمس سيادة القرار الاقتصادي، وعدالة السوق، ومستقبل الاستقرار المعيشي للمواطن اليمني. إن ما تمارسه المجموعة اليوم من احتكار واستقواء على الدولة، واستفادة من دعم دولي على حساب الشعب، وتخادم مع سلطات أمر واقع لا تعترف بالشرعية، يتطلب وقفة شجاعة من كل المعنيين.

فإما أن يتم تحرير السوق من قبضة هذا الكيان المتغوّل، أو أن نقرّ جميعًا بأننا نعيش تحت وطأة “احتلال اقتصادي” لا يقل خطرًا عن أي تهديد سياسي أو عسكري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
arArabic